للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالصاع"، وفي رواية ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما"، والحاكم في "مستدركه"، من حديث عبد الله بن زيد - رضي الله عنه -: "أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أُتِي بثلثي مدّ من ماء، فتوضأ، فجَعَل يدلُك ذراعيه"، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

قال الجامع عفا الله عنه: الجمع بين هذه الروايات - كما قاله المحقّقون - أنها كانت اغتسالات في أوقات مختلفة، نُقل فيها أكثر ما استعمله النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وأقلّه، فدلّ على أنه لا حدّ في قدر ماء الطهارة، يجب الوقوف عنده، والله تعالى أعلم.

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكر اختلاف الروايات: (اعلم): أن اختلاف هذه المقادير، وهذه الأواني يدلّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يُراعي مقدارًا مؤقّتًا، ولا إناءً مخصوصًا، لا في الوضوء، ولا في الغسل، وأن كلّ ذلك بحسب الإمكان والحاجة، ألا ترى أنه تارةً اغتسل بالْفَرَق، وأخرى بالصاع، وأخرى بثلاثة أمداد.

والحاصل أن المطلوب إسباغ الوضوء والغسل من غير إسراف في الماء، وأن ذلك بحسب أحوال المغتسلين، وقد ذهب ابنُ شعبان إلى أنه لا يُجزئ في ذلك أقلّ من مدّ في الوضوء، وصاعٍ في الغسل، وحديث الثلاثة أمداد يردّ عليه، والصحيح الأول. انتهى (١).

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: أجمع المسلمون على أن الماء الذي يُجزئ في الوضوء والغسل غير مُقَدَّر، بل يكفي فيه القليل والكثير، إذا وُجد شرط الغسل، وهو جَرَيان الماء على الأعضاء، قال الشافعيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وقد يَرْفُق بالقليل، فيكفي، وَيَخْرَقُ (٢) بالكثير فلا يكفي.

قال العلماء: والمستحب أن لا ينقص في الغسل عن صاع، ولا في الوضوء عن مُدّ، والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغداديّ، والمدّ رطل وثلث، وذلك معتبر على التقريب، لا على التحديد، وهذا هو الصواب المشهور،


(١) "المفهم" ١/ ٥٨١.
(٢) من باب تعب.