للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ) أي طلبت ماءً في إناءٍ (قَدْرِ الصَّاعِ) بالجرّ بدلًا من "إناء"، وفي رواية البخاريّ: "فدعت بإناء، نحوًا من صاع".

وأشار بقوله: "قدر صاع" إلى أنها دعت ماءً في إناءٍ مقدار الصاع تقريبًا لا تحديدًا، والله تعالى أعلم.

(فَاغْتَسَلَتْ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سِتْرٌ) جملة في محلّ نصب على الحال من فاعل "اغتسلت"، وفي رواية النسائيّ: "فسَتَرَت سِتْرًا"، أي جعَلَت بيننا وبينها ساترًا، و"السّتْرُ" بالكسر: ما يُستَرُ به، جمعه سُتُور، و"السَّتْرُ" بالفتح: مصدر سَتَرَ، يقال: سَتَرتُ الشيءَ سَتْرًا، من باب نصر، ويقال لما يَنصِبه المصلّي قُدّامه علامةً لمصلّاه، من عصًا، وتسنيم تُرَاب وغيره: سُتْرَةٌ بالضمّ؛ لأنه يستُر المارّ من المرور، أي يَحجُبُه، أفاده الفيّوميّ (١).

والمناسب هنا الكسر، والله تعالى أعلم.

وفي رواية البخاريّ: "وأفاضت على رأسها، وبيننا وبينها حجاب" (وَأفرَغَتْ) وفي نسخة: "فأفرغت" بالفاء، أي صبّت الماء، وهو تفسير لقوله: "فاغتسلت"، وفي رواية البخاريّ: "وأفاضت" (عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثًا) قال القاضي عياض رحمه الله: ظاهره أنهما رأيا عملها في رأسها، وأعالي جسدها، مما يَحِلّ نظره للمَحْرَم إلى ذات محرمه؛ لأنها خالة أبي سلمة من الرضاع، أرضعته أختها أمُّ كلثوم، وإنما سَتَرت أسافل بدنها مما لا يَحِلّ للمَحْرَم النظر إليه، ولولا أنهما شاهدا ذلك، ورأياه لم يكن لاستدعائها الماء، وطهارتها بحضرتهما معنًى؛ إذ لو فعلت ذلك كلّه في ستر عنهما، لكان عَنَاءً، ورجع الحال إلى وصفها له، ويكون الستر الذي بينها وبينهما عن سائر جسدها، وما لا يحلّ لهما رؤيته، كما شُوهد غسل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من وراء الثوب، وطأطأ عن رأسه حتى ظهر لمن أراد رؤيته. انتهى (٢).

وقال النوويّ رحمهُ الله: "وفي هذا الذي فعلته عائشة - رضي الله عنها - دلالةٌ على استحباب التعليم بالوصف بالفعل؛ فإنه أوقع في النفس من القول، وَيثبُت به


(١) "المصباح المنير" ١/ ٢٦٦.
(٢) "إكمال المعلم" ٢/ ١٦٣.