للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذاهب، فإذا قصدت توكيد ذلك، وأنه ذاهبٌ لا مَحَالةَ تقول: أما زيد فذاهمب، وأما كونها للتفصيل، فهو غالب أحوالها، كما في الآية السابقة، وقد تأتي لغير تفصيل أصلًا، نحو أما زيد فمنطلق.

إذا تقرّر هذا، فـ "أمّا" في الحديث هنا يحتمل أن تكون للتفصيل، حُذف قسيمها لدلالة الكلام عليه، فكأنه قال: أما أنا فأُفيض إلخ، وأما أنتم فلا أدري ماذا تفعلون؟، أو نحو ذلك، ويدلّ على هذا قول بعض الناس: إني لأغسل كذا وكذا، ويَحْتَمِل أن تكون لمجرّد التوكيد، فلا تفصيل فيها، ولا تحتاج إلى تكرارها، وقد أشبعت البحث في هذا في "شرح النسائيّ"، وتقدّم أيضًا في "شرح المقدّمة" عند قول المصنّف رحمه الله: "ما بعدُ إلخ"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(فَإِنِّي أُفِيضُ) بضمّ الهمزة، من الإفاضة، وهو الإسالة والصبّ: أي فأصبّ (عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ اَكُفٍّ") بفتح الهمزة، وضمّ الكاف: جمع كَفّ، وتُجمع أيضًا على كفُوف، مثلُ فَلْس وأَفْلُس وفُلُوس، وهي مؤنّثة، وهي الراحة مع الأصابع، سُمّيت بذلك؛ لأنها تَكُفّ الأذى عن البدن، أفاده الفيّوميّ رحمه الله (١).

[تنبيه]: كون الكفّ مؤنّثةً هو الذي نصّ عليه في "المصباح" حيث قال: الكفّ من الإنسان وغيره أُنثى، قال ابن الأنباريّ: وزَعَمَ من لا يوثق به أن الكفّ مذكّرٌ، ولا يَعْرِف تذكيرها من يوثق بعلمه، وأما قولهم: كفّ مُخَضَّبٌ، فعلى معنى ساعدٍ مُخَضَّبٍ. انتهى (٢).

فعلى هذا فما وقع في الرواية هنا "ثلاث أكفّ" جار على الفصيح، وأما ما وقع في "صحيح البخاريّ" في حديث جابر - رضي الله عنه -: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يأخذ ثلاثة أكُفّ" فيحتاج للتأويل بمعنى العضو، فتأمل، والله تعالى أعلم.

وقال في "الفتح" عند قوله: "ثلاث أكفّ" وفي رواية كريمة: "ثلاثة أكفّ"، وهي جمع كفّ، والكفّ تُذكّر وتؤنّث.


(١) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٥٣٥ - ٥٣٦.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٥٣٥.