ويَحْتَمل أن تكون هذه الغرفات الثلاث للتكرار، ويَحْتَمِل أن يكون لكلّ جهة من الرأس، كما جاء ذلك في حديث القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله عنها -، يعني الحديث السابق:"فبدأ بشق رأسه الأيمن، ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه، فقال بهما على رأسه"(١).
ومعنى الحديث: فإني أُفيض على رأسي ثلاث حَفَنات، كلُّ حَفْنة منهنّ بملء الكفّين جميعًا، كما بيّنته رواية أحمد في "مسنده" من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سليمان بن صُرَد، عن جُبَير بن مُطْعِم، قال: تذاكرنا غسل الجنابة عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما أنا، فآخذُ ملء كفي ثلاثًا، فأُصُبُّ على رأسي، ثم أُفيض بعدُ على سائر جسدي".
ويدلّ على كون المراد ملء الكفّين ما في رواية البخاريّ، قال:"أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثًا، وأشار بيديه كلتيهما"، أي أشار النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بيديه على كيفيّة أخذه الماء.
ودلّ هذا على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُفيض على رأسه أكثر من ثلاث، ودلّ أيضًا على أن غسل سائر الجسد ليس فيه التثليث؛ لأنه قال:"ثم أفيض إلخ"، ولم يذكر الثلاث، فالمطلوب فيه التعميم، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث جُبير بن مطعم - رضي الله عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا في "الحيض"[١٠/ ٧٤٦ و ٧٤٧](٣٢٧)، و (البخاريّ) في "الغسل"(٢٥٤)، و (أبو داود) في "الطهارة"(٢٣٩)، و (النسائيّ) في "الطهارة"(١/ ١٣٥)، و (ابن ماجه) في "الطهارة"(٥٧٥)، و (أبو عوانة) في "مسنده"(٨٥٥ و ٨٥٦)، و (أبو نعيم) في "مستخرجه"(٧٣١، ٧٣٢)، والله تعالى أعلم.