٣ - (ومنها): جواز التنازع عند النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من غير رفع صوت، وأما ما أخرجه الشيخان من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنها - قال: لَمّا اشتد بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَعُه قال:"ائتوني بكتاب، أكتبْ لكم كتابًا لا تضلوا بعده"، قال عمر: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - غلبه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا، وكثر اللغط، فقال:"قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع … " الحديث.
فهذا محمولٌ على التنازع الذي يؤدّي إلى الخصام، ورفع الصوت، كما يدّل عليه سياق الحديث، فإنه صريحٌ في كون تنازعهم أدّى إلى رفعِ الصوت، والإخلال بالتعظيم الذي أوجبه الله عز وجل على الأمة بقوله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الآية [الحجرات: ٢].
٤ - (ومنها): كون الإفاضة على الرأس ثلاث غرفات، وهو القدر الكافي فيه، فلا ينبغي تجاوزه، لأن خير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال الله عز وجل في حقّه:{وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: ١٥٨].
٥ - (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله: في هذا الحديث استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثًا، وهو مُتَّفقٌ عليه، وأَلْحَق به أصحابنا سائر البدن قياسًا على الرأس، وعلى أعضاء الوضوء، وهو أولى بالثلاث من الوضوء، فإن الوضوء مبنيّ على التخفيف، ويتكرر، فإذا استُحِبّ فيه الثلاث، ففي الغسل أولى، ولا نعلم في هذا خلافًا إلا ما انفرد به الإمام أقضى القضاة، أبو الحسن الماورديّ صاحب "الحاوي" من أصحابنا، فإنه قال:"لا يستحب التكرار في الغسل"، وهذا شاذّ متروكٌ. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: إن أراد الماورديّ بقوله: "لا يستحبّ التكرار في الغسل" غسلَ الرأس، فقوله باطلٌ مردودٌ بهذه الأحاديث الصحيحة، كما