وقال العينيّ رَحِمَهُ اللهُ: لا خلاف في أن الحائض لا تقضي الصلاة بين الأمة، إلا لطائفة من الخوارج، قال معمر: قال الزهريّ: تقضي الحائض الصوم، ولا تقضي الصلاة، قلت: عمن؟ قال: أجمع المسلمون عليه، وليس في كل شيء تجد الإسناد القويّ، أجمع المسلمون على أن الحائض والنفساء لا يجب عليهما الصلاة ولا الصوم في الحال، وعلى أنه لا يجب عليهما قضاء الصلاة، وعلى أنه عليهما قضاء الصوم، والفرق بينهما أن الصلاة كثيرة، متكررة، فيشُقّ قضاؤها، بخلاف الصوم، فإنه يجب في السنة مرةً واحدةً، ومن السلف من كان يأمر الحائض بأن تتوضأ عند وقت الصلاة، وتذكر الله تعالى، تستقبل القبلة ذاكرة لله جالسةً، رُوي ذلك عن عقبة بن عامر، ومكحول، وقال: كان ذلك من هدي نساء المسلمين في حيضهنّ، وقال عبد الرزاق: بلغني أن الحائض كانت تؤمر بذلك عند وقت كل صلاة، وقال عطاء: لم يبلغني ذلك، وإنه لحسنٌ، وقال أبو عمر: هو أمر متروك عند جماعة الفقهاء، بل يكرهونه، قال أبو قلابة: سألنا عن ذلك، فلم نجد له أصلًا، وقال سعيد بن عبد العزيز: ما نعرفه، وإنا لنكرهه.
قال الجامع عفا الله عنه: تبيّن بما قاله أبو قلابة، وسعيد بن عبد العزيز أن ما نُقل عن مكحول من قوله: كان ذلك من هدي نساء المسلمين، غير ثابت عنه، وإن صحّ، فلعله يريد مسلمي بلدته، وقريته، والله تعالى أعلم.
قال: وفي "منية المفتي" للحنفية: يستحب لها عند وقت كل صلاة أن تتوضأ، وتجلس في مسجد بيتها، تسبح وتهلل مقدار أداء الصلاة، لو كانت طاهرةً، حتى لا تبطل عادتها.
قال الجامع عفا الله عنه: ما ذكرت هذا القول إلا ليُتَعَجَّب منه، ويستبينه من له مُسكة من اتباع السنة، أليس الاستحباب مما يختصّ به الشارع الحكيم؟ {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} الآية [الشورى: ٢١]، فهل يجوز لمسلم أن يقول: يستحبّ هذا، ويكره هذا، أو يحرم، أو يجب بدون بيّنة من كتاب أو سنة، أو إجماع؟ {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} الآية [النحل: ١١٦]، {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}[يوسف: ١٨].
قال: وفي الدراية: يكتب لها ثواب أحسنِ صلاةٍ كانت تصلي.