للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الفرس، ويدلّ عليه أنه ثبت في رواية في "الصحيحين": "فانحسر الإزار".

وقال أيضًا في حديث عائشة - رضي الله عنها - (١): لا دلالة فيه على أن الفخذ ليس بعورة؛ لأنه مشكوك في المكشوف، قال أصحابنا: لو صحّ الجزم بكشف العورة تأوّلناه على أن المراد كشف بعض ثيابه لا كلّها، قالوا: ولأنها قضيّة عين، فلا عموم لها، ولا حجة فيها. انتهى.

وقال العلامة ابن القيّم رَحِمَهُ اللهُ: وطريق الجمع بين هذه الأحاديث ما ذكره غير واحد من أصحاب أحمد وغيرهم: أن العورة عورتان: مخفّفة ومغلّظة، فالمغلّظة السوأتان، والمخفّفة الفخذان، ولا تنافي بين الأمر بغضّ البصر عن الفخذين؛ لكونهما عورةً، وبين كشفهما؛ لكونهما عورةً مخفّفةً. انتهى (٢).

ثم بعد أن كتبت ما تقدّم رأيت لشيخ الإسلام ابن تيميّة رَحِمَهُ اللهُ رسالة في لباس الصلاة، قد أجاد فيها، فأحببت إلحاقها بما سبق؛ لما حوته من التحقيق والتلخيص قال رَحِمَهُ اللهُ:

(فصل) في اللباس في الصلاة، وهو أخذ الزينة عند كل مسجد الذي يسميه الفقهاء: "باب ستر العورة في الصلاة".

فإن طائفة من الفقهاء ظنّوا أن الذي يُستَر في الصلاة هو الذي يُستر عن أعين الناظرين، وهو العورة، وأخذ ما يستر في الصلاة من قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: ٣١]، ثم قال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} يعني الباطنة {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} والآية، فقال: يجوز لها في الصلاة أن تُبديَ الزينة الظاهرة دون الباطنة، والسلف قد تنازعوا في الزينة


(١) هو ما أخرجه مسلم في: "صحيحه" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسوّى ثيابه .... وفيه: فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تَهتشّ له، ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له، ولم تباله، ثم دخل عثمان، فجلست وسوّيت ثيابك؟ فقال: "ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة".
(٢) راجع: "المجموع شرح المهذّب" ٣/ ١٥٩ - ١٦٠.