للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظاهرة على قولين، فقال ابن مسعود، ومن وافقه: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي في الوجه واليدين، مثل الكحل والخاتم، وعلى هذين القولين تنازع الفقهاء في النظر إلى المرأة الأجنبية، فقيل: يجوز النظر لغير شهوة إلى وجهها ويديها، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعيّ، وقول في مذهب أحمد، وقيل: لا يجوز، وهو ظاهر مذهب أحمد، فإن كل شيء منها عورة حتى ظفرها، وهو قول مالك.

وحقيقة الأمر أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرةٌ، وزينة غير ظاهرة، وجَوَّز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج، وذوي المحارم، وكانوا قبل أن تنزل آية الحجاب، كان النساء يخرجن بلا جلباب، يَرَى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تُظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها؛ لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: ٥٩] حُجِب النساء عن الرجال، وكان ذلك لَمّا تزوج زينب بنت جحش، فأرخى الستر، ومنع النساء أن يُنظَرْنَ، ولَمّا اصطَفَى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر، قالوا: إن حَجَبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه، فحجبها، فلما أمر الله أن لا يُسأَلن إلا من وراء حجاب، وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يُدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو الملاءة، وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة الإزار، وهو الإزار الكبير الذي يُغَطِّي رأسها وسائر بدنها، وقد حَكَى أبو عبيد وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها، فلا تُظْهِر إلا عينها، ومن جنسه النقاب، فكُنّ النساء ينتقبن، وفي "الصحيح": أن المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين، فإذا كُنّ مأمورات بالجلباب؛ لئلا يُعْرَفن، وهو ستر الوجه، أو ستر الوجه بالنقاب، كان الوجه واليدان من الزينة التي أُمِرت ألا تُظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الأمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين.

وعلى هذا فقوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: ٣١] يدُلّ على أن لها أن تبدي الزينة الباطنة لمملوكها، وفيه قولان: قيل: المراد الإماء، والإماء الكتابيات، كما قاله ابن المسيب، ورجحه أحمد وغيره، وقيل: هو