الحديث، فقال: إسناد حسن، ولكنه حديث شاذّ غير معروف. انتهى المقصود من كلام ابن عبد البرّ - رحمه الله - (١).
وقال في "الفتح": وقد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن خالد المذكور في هذا الباب معلول؛ لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث، وقد حَكَى يعقوب بن شيبة، عن عليّ بن المدينيّ أنه شاذّ.
والجواب عن ذلك أن الحديث ثابتٌ من جهة اتّصال إسناده، وحفظ رواته، وقد رَوَى ابن عيينة أيضًا عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة، عن عطاء، أخرجه ابن أبي شيبة وغيره، فليس هو فردًا، وأما كونهم أفْتَوْا بخلافه، فلا يَقْدَح ذلك في صحته؛ لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه، فذهبوا إليه، وكم من حديث منسوخ، وهو صحيح من حيث الصناعة الحديثية.
وقد ذهب الجمهور إلى أن ما دل عليه حديث الباب من الاكتفاء بالوضوء إذا لم يُنزل المجامع منسوخ بما دلّ عليه حديث أبي هريرة وعائشة المذكوران في الباب التالي، والدليل على النسخ ما رواه أحمد وغيره، من طريق الزهريّ، عن سهل بن سعد، قال: حدّثني أُبَيّ بن كعب، أن الفُتيا التي كانوا يقولون: الماء من الماء رُخصة كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رَخَّص بها في أول الإسلام، ثم أَمَرَ بالاغتسال بعدُ. صححه ابن خزيمة، وابن حبان.
وقال الإسماعيليّ: هو صحيح على شرط البخاريّ، كذا قال، وكأنه لم يَطَّلِع على علته، فقد اختلفوا في كون الزهري سمعه من سهل، نعم أخرجه أبو داود، وابن خزيمة أيضًا مَن طريق أبي حازم، عن سهل، ولهذا الإسناد أيضًا علة أخرى، ذكرها ابن أبي حاتم.
وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يُحْتَجّ به، وهو صريح في النسخ، على أن حديث الغسل، وإن لم يُنْزِل أرجح من حديث:"الماءُ من الماء"؛ لأنه بالمنطوق، وترك الغسل من حديث الماء بالمفهوم، أو بالمنطوق أيضًا، لكن ذاك أصرح منه.