قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه اللهُ: اختَلَفَ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومَن بَعْدَهم في الوضوء مما مست النار:
فمِمَّن رُوِي عنه أنه توضأ أو أمر بالوضوء منه: عبد الله بن عمر، وأبو طلحة، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعريّ، وعائشة، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وأبو عَزّة رجل يقال: إن له صحبة.
قال: وقد رُوي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز، وأبي مِجْلَز، وأبي قِلابة، ويحيى بن يعمر، والحسن البصريّ، وأبي مَيْسَرة، والزهريّ.
قال: ومن حجة بعض من قال هذا القول الأخبار الثابتة عن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالوضوء منه.
قال: وممن رَوَى عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أمره بالوضوء مما مست النار: زيد بن ثابت، وأبو طلحة، وأبو أيوب الأنصاريّ، وأبو موسى الأشعريّ، وسهل بن الحنظلية، وسَلَمة بن وَقْش، وأم سلمة، وابن عمر، وعائشة، وأم حبيبة.
قال: وأسقطت طائفة الوضوء مما مست النار، فمِمَّن كان لا يرى الوضوء مما مست النار: أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس، وعامر بن ربيعة، وأبو أمامة الباهليّ، وأُبَيّ بن كعب.
ثم أخرج بسنده عن أيوب السختيانيّ، أنه قال: إذا بلغك اختلاف عن أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فوجدت في ذلك الاختلاف أبا بكر وعمر، فشُدّ يدك به، فهو الحقّ، وهو السنة.
ثم أخرج عن يحيى بن آدم، كان يقول: ليس يُحتاج مع قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّ قول آخر، وإنما كان يقال: عَمِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر، وعمر؛ لِيُعْلَم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مات عليه.
قال: وهذا قول مالك بن أنس فيمن تَبِعَه من أهل المدينة، وسفيان الثوريّ، فيمن وافقه من أهل العراق، وبه قال الأوزاعيّ وأصحابه، وكذلك قال الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، ولا أعلم اليوم بين أهل العلم اختلافًا في ترك الوضوء، مما مست النار، إلا الوضوء من لحوم الإبل خاصّةً، وسيأتي ذكرُ اختلافهم فيه - إن شاء الله تعالى -.