للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وقد احتَجَّ بعض من لا يرى الوضوء مما مست النار بأخبار ثابتة، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك، ثم أخرج بأسانيده حديث: "أكل النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كتف شاة، ثم صلّى، ولم يتوضّأ".

ثم أخرج حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مسّت النار"، وهو حديث صحيح، أخرجه أبو داود، والنسائيّ.

قال: وقال بعضهم: والدليل على أن الرخصة هي الناسخة اتفاقُ الخلفاء الراشدين المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - في ترك الوضوء، وقد ثبت أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، ولا يجوز أن يَسْقُط عنهم جميعًا علمُ ما يحتاجون إليه في الليل والنهار؛ إذ مما لا بد للناس منه الأكل والشرب، ولو كان الأكل حَدَثًا، ينقض الطهارة، ويوجب الوضوء، لم يَخْفَ ذلك عليهم، ولم يذهب معرفة ذلك عليهم، وغيرُ جائز أن يَجْهَلوا ذلك.

فإذا تطهر المرء، فهو على طهارته، إلا أن يَدُلَّ كتابٌ، أو سنةٌ لا معارضَ لها، أو إجماعٌ على أن طهارته قد انتقضت. انتهى المقصود من كلام ابن المنذر رحمه الله (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وقال النوويّ رحمه اللهُ: ذكر مسلم رحمه اللهُ في هذا الباب الأحاديث الواردة بالوضوء مما مست النار، ثم عقّبها بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مست النار، فكأنه يشير إلى أن الأمر بالوضوء منسوخ، وهذه عادة مسلم وغيره من أئمة الحديث، يذكرون الأحاديث التي يرونها منسوخة، ثم يُعَقِّبونها بالناسخ، ثم ذكر اختلاف العلماء نحو ما تقدّم، وأدلّتهم، ثم قال: وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين:

[أحدهما]: أنه منسوخ بحديث جابر - رضي الله عنه - قال: "كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار"، وهو حديث صحيحٌ، رواه أبو


(١) "الأوسط" ١/ ٢١٣ - ٢٢٥.