للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"توضؤوا من لحوم الإبل، ولا تتوضؤوا من لحوم الغنم"، وروى ابن ماجه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك.

قال أحمد، وإسحاق ابن راهويه: فيه حديثان صحيحان عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة.

وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له، وإنما هو من قول ابن عباس موقوفًا عليه، ولو صَحّ لوجب تقديم حديثنا عليه؛ لكونه أصح منه وأخصّ، والخاصّ يُقَدَّم على العام، وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضًا؛ لصحته وخصوصه.

[فإن قيل]: فحديث جابر متأخر، فيكون ناسخًا.

[قلنا]: لا يصح النسخ به؛ لوجوه أربعة:

[أحدها]: أن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار، أو مقارن له، بدليل أنه قَرَن الأمر بالوضوء من لحوم الإبل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم، وهي مما مست النار.

فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي، وإما أن يكون بشيء قبله، فإن كان به، فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار، فكيف يجوز أن يكون منسوخًا به، ومن شرط الناسخ تأخره، وإن كان النسخ قبله لم يجز أن يُنسَخ بما قبله.

[الثاني]: أن أكل لحوم الإبل إنما نقض؛ لكونه من لحوم الإبل، لا لكونه مما مست النار، ولهذا ينقض وإن كان نِيئًا، فنَسْخُ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى، كما لو حُرِّمت المرأة للرضاع، ولكونها ربيبةً، فنَسخُ التحريم بالرضاع، لم يكن نسخًا لتحريم الربيبة.

[الثالث]: أن خبرهم عامّ، وخبرنا خاصّ، والعام لا يُنسَخ به الخاصّ؛ لأن من شرط النسخ تعذر الجمع، والجمع بين العام والخاص ممكن بتنزيل العام على ما عدا محل التخصيص.

[الرابع]: أن خبرنا صحيح مستفيض، ثبتت له قوّة الصحة والاستفاضة والخصوص، وخبرهم ضعيف؛ لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه، فلا يجوز أن يكون ناسخًا له.

[فإن قيل]: الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب، فنحمله عليه،