للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويحتمل أنه أراد بالوضوء غسل اليدين؛ لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام، اقتَضَى غسل اليد، كما كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده (١)، وخَصَّ ذلك بلحم الإبل؛ لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره.

[قلنا]: أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه:

[أحدها]: أن مقتضى الأمر الوجوب.

[الثاني]: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سئل عن حكم هذا اللحم، فأجاب بالأمر بالوضوء منه، فلا يجوز حمله على غير الوجوب؛ لأنه يكون تلبيسًا على السائل، لا جوابًا.

[الثالث]: أنه - صلى الله عليه وسلم - قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم، والمراد بالنهي ها هنا نفي الإيجاب لا التحريم، فيتعين حمل الأمر على الإيجاب؛ ليحصل الفرق.

وأما الثاني فلا يصح؛ لوجوه أربعة:

[أحدها]: أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب، فإن غسل اليد بمفرده غير واجب، وقد بيّنا فساده.

[الثاني]: أن الوضوء إذا جاء في لسان الشارع وجب حمله على الوضوء الشرعيّ، دون اللغويّ؛ لأن الظاهر منه أنه إنما يتكلم بموضوعاته.

[الثالث]: أنه يخرج جوابًا لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها، والصلاة في مباركها، فلا يُفهَم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة.

[الرابع]: أنه لو أراد غسل اليد لما فرَّق بينه وبين لحم الغنم، فإن غسل اليد منها مستحب، ولهذا قال: "من بات وفي يده ريح غَمَر، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه" (٢)، وما ذكروه من زيادة الزهومة فأمر يسير لا يقتضي التفريق، والله أعلم.


(١) الأمر بالوضوء من الطعام، وبعده لا يصحّ، بل هو ضعيف، أخرجه أبو داود ٣/ ٣٤٥.
(٢) حديث حسن، أخرجه الترمذيّ ٤/ ٢٨٩.