للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم لا بد من دليل نَصرِف به اللفظ عن ظاهره، ويجب أن يكون الدليل له من القوّة بقدر قوة الظواهر المتروكة وأقوى منها، وليس لهم دليل وقياسهم فاسد، فإنه طرديّ لا معنى فيه، وانتفاء الحكم في سائر المأكولات لانتفاء المقتضي، لا لكونه مأكولًا، فلا أثر لكونه مأكولًا، ووجوده كعدمه.

ومن العجب أن مخالفينا في هذه المسألة أوجبوا الوضوء بأحاديث ضعيفة، تخالف الأصول، فأبو حنيفة أوجبه بالقهقهة في الصلاة دون خارجها بحديث من مراسيل أبي العالية، ومالك والشافعيّ أوجباه بمسّ الذكر بحديث مختلف فيه، معارَض بمثله، دون مسّ بقيّة الأعضاء، وتركوا هذا الحديث الصحيح الذي لا معارض له، مع بُعده عن التأويل، وقوّة الدلالة فيه؛ لمخالفته لقياس طرديّ. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد العلامة ابن قُدامة رحمه اللهُ في تحقيق هذه المسألة بما لا مزيد عليه، فجزاه الله خيرًا عن دفاعه عن السنّة الصحيحة.

والحاصل أنه قد تبيّن بما سبق من الأدلّة أن المذهب الصحيح هو ما ذهب إليه المحدّثون، ومحقّقو الفقهاء؛ كأحمد، وإسحاق، وابن المنذر، والبيهقيّ، وابن حزم، وقوّاه النوويّ وغيره من وجوب الوضوء بأكل لحم الإبل؛ فتبصّر وكن مع الحقّ، ودُر حيث دار الدليل وإن قلّ المائل إليه، واهجر خلافه وإن اعتمد الجمهور عليه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الصلاة في مبارك الإبل:

قال صاحب "المرعاة" رحمه الله: في الحديث دليلٌ على تحريم الصلاة في مبارك الإبل، وإليه ذهب مالك، وأحمد، وابن حزم، وهو الحقّ.

وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة، وعلى التحريم مع وجودها، وهذا إنما يتمّ على القول بأن علّة النهي هي النجاسة،


(١) "المغني" ١/ ٢٣٨ - ٢٤٤.