وقالت طائفة: التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين، وهذا قول عطاء، ومكحول، والشعبيّ، ورُوي ذلك عن ابن المسيّب، والنخعيّ، وبه قال الأوزاعيّ، وأحمد، وإسحاق.
واحتجت هذه الفرقة بحُجَج، فأعلى ما احتَجَّت به الأخبار الثابتة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الدالة على صحة هذا القول، كحديث عمّار - رضي الله عنه - هذا المتّفق عليه.
قال ابن المنذر رحمه اللهُ: وأما الأخبار التي رُويت عن عمار التي فيها ذكر اختلاف أفعالهم حين نزلت آية التيمم قبل أن يأتوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيُعَلِّمهم صفة التيمم مما فعلوه عند نزول الآية احتياطًا، فلما جاؤوه علّمهم، فقال لعمار:"إنما كان يكفيك هذا"، وفي قوله:"إنما كان يكفيك هذا"، دليل على أن الفعل الذي كان منهم كان قبل أن يُعْلِمهم، والدليل على صحة هذا القول أن عمارًا عَلَّمهم بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ولايته أيام عمر على الكوفة التيمم ضربة للوجه والكفين.
ومما احتجت به هذه الفرقة أنهم قد أجمعوا على أن عليه في التيمم أن يمسح بوجهه وكفيه، واختلفوا فيما زاد على ذلك، فثبت فرض ما أجمعوا عليه بالكتاب، واختلفوا فيما زاد على الوجه والكفين، ولا يجب الفرض باختلاف، ولا حجة مع قائله، وفي تعليمه - صلى الله عليه وسلم - أصحابه صفة التيمم، دليلٌ على معنى ما أراد الله تعالى بقوله:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}[النساء: ٤٣]؛ لأنه المبين عن الله معنى ما أراد، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، وقد بَيَّن لَمّا قال لعمار:"إنما يكفيك هذا" أن الذي فرض الله مسح الوجهين والكفين.
وقد احتَجَّ مكحول بحجة أخرى، قال: لَمَّا قال تعالى في الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ}[المائدة: ٦]، وقال في آية التيمم:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ}، ولم يستثن إلى المرافق، ثم قال:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}[المائدة: ٣٨]، قال مكحول: فإنما تُقْطَع يد السارق الكفّ من الْمَفْصِل.
قال ابن المنذر رَحمه اللهُ: قد ذكرنا معاني الأخبار التي فيها ذكر تيممهم قبل أن يأتوا النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتعليمه إياهم، فأما الأخبار الثلاثة التي احتَجَّ بها مَن رأى أن التيمم ضربتان: ضربة للوجه، وضربة لليدين إلى المرفقين، فمعلولة كلها، لا يجوز أن يُحْتَجَّ بشيء منها، فمنها حديث محمد بن ثابت، ولم يرفعه غيره،