للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك هو الظاهر، من قوله: "إنما يكفيك"، وأما ما استَدَلَّ به مَن اشترط بلوغ المسح إلى المرفقين، من أن ذلك مشترط في الوضوء، فجوابه أنه قياس في مقابلة النصّ، فهو فاسد الاعتبار، وقد عارضه مَن لم يشترط ذلك بقياس آخر، وهو الإطلاق في آية السرقة، ولا حاجة لذلك مع وجود هذا النصّ.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي حقّقه في "الفتح" من الردّ على من اشترط بلوغ المسح إلى المرفقين مستدلًّا بالقياس بأن ذلك قياس فاسد؛ لمعارضته النصّ تحقيق نفيس جدًّا.

وقال قبل ذلك عند قول البخاريّ: "بابٌ التيممُ للوجه والكفين"، ما نصّه: أي هو الواجب المجزئ، وأَتَى بذلك بصيغة الجزم، مع شهرة الخلاف فيه؛ لقوّة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يَصِحَّ منها سوى حديث أبي جُهيم وعمّار - رضي الله عنهما -، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه، فأما حديث أبي جهيم، فورد بذكر اليدين مُجْمَلًا (١)، وأما حديث عمار، فورد بذكر الكفين في "الصحيحين"، وبذكر المرفقين في "السنن"، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط، فأما رواية المرفقين، وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط، فقال الشافعيّ وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فكل تيمم صحّ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعده، فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره، فالحجة فيما أَمَر به، ومما يُقَوِّي رواية "الصحيحين" في الاقتصار على الوجه والكفين، كون عمار - رضي الله عنه - كان يُفتي بعد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره، ولا سيما الصحابيّ المجتهد. انتهى ما في "الفتح" (٢)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ.

قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في المسألة أن الراجح قول من قال: إن التيمّم بضربة واحدة للوجه والكفّين فقط، ولا يُشرع المجاوزة إلى المرفقين؛ لعدم صحّة الدليل على ذلك، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) سيأتي حديث أبي جهيم قريبًا.
(٢) "الفتح" ١/ ٥٣٠.