أوردا في الباب حديث أبي جهيم هذا، وفيه خلاف سيأتي تحقيقه في المسألة التالية - إن شاء الله تعالى -.
٢ - (ومنها): أن بعضهم استدلّ به على جواز التيمّم على الحجر، وهو مذهب الحنفيّة، وهو الصحيح، ووجه الاستدلال أن حيطان المدينة مبنيّة بالحجارة السود، ولا يعترض ذلك بما سبق في رواية الشافعيّ - رحمه الله -: "فحتّه بعصاه"؛ لأنها رواية ضعيفة.
وقد أجاد العينيّ في الرد على الكرمانيّ، حيث قال: قد ثبت أنه حَتّ الجدار بالعصا، ثم تيمم، فقال العينيّ: قوله: "ثبت أنه حتّ … إلخ " ممنوع؛ لأن حتّ الجدار بالعصا رواه الشافعيّ عن إبراهيم بن محمد، وهو حديث ضعيف، فإن قلت: حسنه البغويّ، قلت: كيف حسّنه، وشيخ الشافعيّ وشيخ شيخه ضعيفان، لا يُحتجّ بهما؟، قاله مالك وغيره، وأيضًا فهو منقطع؛ لأن ما بين الأعرج وأبي جهيم عُمير كما سبق من رواية البخاري وغيره، ونصّ عليه أيضًا البيهقيّ وغيره، وفيه علة أخرى، وهي زيادة حكّ الجدار، لم يأت بها أحد غير إبراهيم، والحديث رواه جماعة، وليس في حديث أحدهم هذه الزيادة، والزيادة إنما تقبل من ثقة. انتهى، وهو بحث جيّد (١).
وقد تقدّم تحقيق المسألة مستوفًى في المسألة الثامنة في شرح حديث عائشة - رضي الله عنها -، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.
٣ - (ومنها): أنه استدلّ به الطحاويّ: على جواز التيمّم للجنازة عند خوف فواتها، وهو قول الكوفيين، والليث، والأوزاعيّ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - تيمّم لردّ السلام في الحضر؛ لأجل فوت الردّ، وإن كان ليس شرطًا، ومنع ذلك الشافعيّ وأحمد، وقول الأولين أظهر؛ لهذا الحديث، والله تعالى أعلم.
٤ - (ومنها): أن فيه دليلًا على جواز التيمم للنوافل، والفضائل؛ كسجود التلاوة والشكر، ومسّ المصحف، ونحوها، كما يجوز للفرائض، قال النوويّ: وهذا مذهب العلماء كافّةً، إلا وجهًا شاذًّا منكرًا لبعض أصحابنا أنه لا يجوز التيمم إلا للفريضة، وليس هذا الوجه بشيء. انتهى.