للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الناس كافّةً، وخُتم بي النبييون".

فهذا عموم دخل فيه الحاضر والبادي.

[فإن قيل]: فإن الله تعالى قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} الآية [النساء: ٤٣]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُقبل صلاة مَن أحدث حتى يتوضأ"، فلم يُبح - عز وجل - للجنب أن يقرب الصلاذ حتى يغتسل، أو يتوضأ إلا مسافرًا.

[قلنا]: نعم قال الله تعالى هذا، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ذكرتم، وقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٦]، فكانت هذه الآية زائدةً حكمًا، وواردة بشرع ليس في الآية التي ذكرتم، بل فيها إباحة أن يقرَب الصلاة الجنب دون أن يغتسل، وهو غير عابر سبيل، لكن إذا كان مريضًا لا يجد الماء، أو عليه فيه حرجٌ، وكانت هذه الآية أيضًا زائدةً حكمًا على الخبر الذي لفظه: "لا تُقْبَل صلاة مَن أحدث حتى يتوضأ"، ثم جاء الخبران اللذان ذكرنا بزيادة وعموم على الآيتين والخبرِ المذكورِ، فدخل في هذين الخبربن الصحيحُ المقيمُ إذا لم يجد الماء، وكلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فرضٌ جمعُ بعضه إلى بعض، وكله من عند الله تعالى.

وقولنا هذا هو قول مالك، وسفيان، والليث.

وقال أبو حنيفة، والشافعيّ: لا يتيمم الحاضر، لكن إن لم يقدر على الماء إلا حتى يفوت الوقت، تيمم وصلى، ثم أعاد، ولا بُدّ إذا وجد الماء.

وقال زفر: لا يتيمم الصحيح في الحضر البتةَ، وإن خرج الوقت، ولكن يصبر حتى يخرج الوقت، ويجد الماء، فيصلي حينئذ.

قال أبو محمد: أما قول أبي حنيفة، والشافعيّ فظاهر الفساد؛ لأنه لا يخلو أمرهما له بالتيمم والصلاة من أن يكونا أمراه بصلاة، هي فرض الله تعالى عليه، أو بصلاة لم يفرضها الله تعالى عليه، ولا سبيل إلى قسم ثالث، فإن قال مقلِّدُهما أمراه بصلاة هي فرض عليه، قلنا: فَلِمَ يعيدها بعد الوقت إن كان قد أدّى فرضه؟ وإن قالوا: بل أمراه بصلاة، ليست فرضًا عليه، أَقَرّا بأنهما ألزماه ما لا يلزمه، وهذا خطأ.