للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاندفاع: أي اندفعتُ عنه، ويؤيّده قوله في حديث آخر: "فانسللت منه"، ورُوي أيضًا: "فانبخست منه"، من البخس، وهو النقص، وقد استُبْعِدت هذه الرواية، ووُجّهت على بُعدها بأنه اعتَقَد نقصان نفسه بجنابته عن مجالسته - صلى الله عليه وسلم -، أو مصاحبته مع اعتقاد نجاسة نفسه، هذا أو معناه، قاله ابن دقيق العيد - رحمه الله - (١).

وقوله: (فَذَهَبَ) عطف تفسير و "انسلّ" (فَاغْتَسَلَ، فَتَفَقَّدَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) أي طلبه ليجالسه، ويُحادثه، وفي رواية النسائيّ: "ففقده النبيّ - صلى الله عليه وسلم -"، ومعناه: عَدِمه، يقال: فَقَدته فَقْدًا، من باب ضرب، وفُقْدانًا بالكسر والضمّ: عَدِمْتُهُ، فهو فَقِيد، ومفقودٌ، وافتقدته مثله، وتفقّدته: طلبته، أفاده في "المصباح" بزيادة عليه (٢).

والمعنى: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجد أبا هريرة - رضي الله عنه - بعدما أبصره عنده؛ لكونه ذهب يغتسل عن جنابته؛ لاعتقاده أنه نَجَسٌ بسببها، والله تعالى أعلم.

(فَلَمَّا جَاءَهُ) أي جاء أبو هريرة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من المكان الذي يغتسل فيه، وفي نسخة: "فلما جاء" (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - مستفهمًا له عن سبب تغيّبه عن حضرته الشريفة ("أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ "، قَالَ: يَا رَسُولَ الله، لَقِيتَيي) بكسر القاف: أي صادفتني، يقال: لَقِيته ألقاه، من باب تَعِبَ لُقِيًّا بالضمّ، والأصلُ على فُعُول، فاجتمعت الواو والياء، فقُلبت الواو ياءً، ثمّ أُدغمت في الياء، ولُقًى بالضمّ مع القصر، ولقَاءً - بالكسر مع المدّ والقصر -، وكلُّ شيء استَقْبَل شيئًا، أو صادفه، فقد لَقِيه، ومنه لقاءُ البيت: وهو استقباله. انتهى من "المصباح" بإيضاح (٣).

(وَأنا جُنُبٌ) جملة في محلّ نصب على الحال من المفعول (فَكَرِهْتُ) بكسر الراء، يقال: كَرِهته، من باب تَحِبَ كُرْهًا بضمّ الكاف، وفتحها: ضدّ أحببته، فهو مكروه (٤). (أَنْ) بفتح الهمزة مصدريّة (أُجَالِسَكَ حَتَّى أَغْتَسِلَ) وللبخاريّ: "وأنا على غير طهارة"، وإنما كره أبو هريرة - رضي الله عنه - مجالسته على تلك الحالة؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لَقِيَ أحدًا من أصحابه ماسحه ودعا له، فقد


(١) "إحكام الأحكام" ١/ ٣٥٩ - ٣٦٢ بنسخة "الحاشية".
(٢) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٤٧٨.
(٣) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٥٥٨.
(٤) "المصباح" ٢/ ٥٣٢.