قال الجامع عفا الله عنه: هذه الأحاديث كلّها ضعاف لا ينبغي الاعتماد عليها، وإنما تُذكر للتنبيه؛ فتنبّه ولا تكن من الغافلين، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه آخر]: قد استُشكِل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد؛ لأن رؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعيّ.
وأُجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك، أو لأنه - صلى الله عليه وسلم - أُمر بمقتضاها؛ ليَنظُر أيُقَرُّ على ذلك أم لا؟ ولا سيما لَمّا رأى نظمها يَبْعُد دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - في الأحكام، وهو المنصور في الأصول، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق، وأبو داود في "المراسيل" من طريق عُبيد بن عمير الليثيّ، أحد كبار التابعين، أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلا أذان بلال، فقال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: سبقك بذلك الوحي، وهذا أصح مما حَكَى الداوديّ، عن ابن إسحاق أن جبريل أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام.
وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبيّ - صلى الله عليه وسلم - التنويه بعلوّ قدره على لسان غيره؛ ليكون أفخم لشأنه، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم الأذان:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - في كتابه "الأوسط": "ذكرُ الأمر بالأذان، ووجوبه"، قال الله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}[الجمعة: ٩]، وقال تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} الآية [المائدة: ٥٨].
قال: ولا نعلم أذانًا كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا للصلاة المكتوبة، وقد ثَبَت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالأذان والإقامة للمسافر، ثم أخرج بسنده عن مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - أنه أتى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو وصاحب له، فقال:"إذا سافرتما، فأذّنا ثم أقيما، وليؤمّكما أكبركما"، متّفقٌ عليه.
قال: فالأذان والإقامة واجبتان على كلّ جماعة في الحضر والسفر؛ لأن