بأس أن يؤذّن الجنب، وقال مالك: يؤذّن على غير وضوء، ولا يُقيم إلا على وضوء، وقال النعمان فيمن أذّن على غير وضوء وأقام: يجزيهم، ولا يعيدوا الأذان ولا الإقامة، وإن أذّن وهو جنبٌ أُحبّ أن يعيدوا، وإن صلَّوا أجزأهم، وكذلك إذا أقام، وهو جنب.
قال ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - رَحِمَهُ اللهُ - بعد ذكر هذه الأقوال: ليس على من أذّن وأقام وهو جنبٌ إعادة؛ لأن الجنب ليس بنجس؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن المسلم لا ينجس"، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله على كلّ أحيانه، والأذان على الطهارة أحبّ إليّ، وأكره أن يُقيم جنبًا؛ لأنه يُعَرِّض نفسه للتهمة، ولفوات الصلاة. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - هو الأرجح عندي؛ لظهور حجته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): في اختلاف أهل العلم في الكلام في الأذان:
قال الإمام ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ -: اختلفوا في هذا، فرخّصت فيه طائفة، وممن رخّص فيه: الحسن البصريّ، وعطاء، وقتادة، وروينا عن سليمان بن صُرَد، وكانت له صحبة أنه كان يأمر بالحاجة له، وهو في أذانه، وكان عروة بن الزبير يتكلّم في أذانه.
واحتجّ بعض من رخّص في الكلام في الأذان بحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -، ثم أخرج بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث، أن ابن عبّاس أمر مناديه يوم الجمعة في يوم مطير، فقال: إذا بلغت حيّ على الفلاح، فقل: ألا صلُّوا في الرحال، فقيل له: ما هذا؟ فقال: فعله من هو خير مني.
قال: وكان أحمد بن حنبل يرخّص في الكلام في الأذان، وذكر حديث سليمان بن صُرد - رضي الله عنه -، ثم أخرج بسند صحيح عن موسى بن عبد الله بن يزيد، أن سليمان بن صُرَد، وكانت له صحبةٌ، كان يؤذّن في العسكر، فأمر غلامه بالحاجة له، وهو في أذانه.
وكرهت طائفة الكلام في الأذان، وممن كره ذلك النخعيّ، وابن سيرين، والأوزاعيّ، وقال مالكٌ: لم نعلم أحدًا يُقتدى به تكلّم بين ظهراني أذانه، وقال