جبير قال: يقول في جواب الحيعلة: سمعنا وأطعنا. ووراء ذلك وجوه من الاختلاف أخرى، قيل: لا يجيبه إلا في التشهدين فقط، وقيل: هما والتكبير، وقيل: يضيف إلى ذلك الحوقلة دون ما في آخره، وقيل: مهما أَتَى به مما يدلّ على التوحيد والإخلاص كفاه، وهو اختيار الطحاوي.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: هكذا أورد هذه الأقوال في "الفتح"، ومن الغريب أنه لم يتعقّبها، مع أن كلّها مخالف لما صحّ عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه بيّن ما يقوله السامع، ولا يوجد شيء مما ذكره أصحاب هذه الأقوال في بيانه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهي أقوال وآراء لا أثارة عليها من علم فلا ينبغي الالتفات إليها، وإنما تُذكر للمعرفة والتعجّب، وعلى العاقل التقيّد بما صحّ عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قولًا، أو فعلًا، فقد أمرنا بذلك، وحثّنا عليه، فقد أخرج أحمد، وأبو داود وغيرهما بسند صحيح، من حديث العِرْباض بن سارية -رضي اللَّه عنه- الطويل، وفيه:"فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
قال: وحَكَوا أيضًا خلافًا، هل يُجيب في الترجيع أو لا؟، وفيما إذا أذَّن مؤذن آخر، هل يُجيبه بعد إجابته للأول أو لا؟ قال النوويّ: لم أر فيه شيئًا لأصحابنا، وقال ابن عبد السلام: يُجيب كل واحد بإجابة؛ لتعدد السبب، وإجابةُ الأول أفضل إلا في الصبح والجمعة، فإنهما سواء؛ لأنهما مشروعان. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: القول بإجابته في الترجيع هو الأرجح عندي إذا كان يسمعه؛ لأن ظاهر النصّ يشمله، وكذا القول بإجابة المؤذّنين كلّهم كما قال ابن عبد السلام: هو الأرجح أيضًا؛ فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
٣ - (ومنها): أنه إنما قال: "مثل ما يقول"، ولم يقل: مثل ما قال؛ ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة، مثل كلمتها، والصريح في ذلك ما رواه النسائيّ، من حديث أم حبيبة -رضي اللَّه عنها- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت، وأصرح منه حديث عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الآتي، فلو لم يجاوبه حتى فرغ استُحِبّ له التدارك إن لم يطل الفصل، قاله النووي في "شرح المهذَّب" بحثًا، وقد قالوه فيما إذا كان له عذرٌ كالصلاة.