للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولا تتيسّر تلك المنزلة إلا لعبد واحد من جميع عباد اللَّه تعالى.

(وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قيل: "هو" خبرُ "أكون" وُضع موضع "إياه"، ويَحْتَمِل أن لا يكون "أنا" للتأكيد، بل يكون مبتدأ، و"هو" خبره، والجملة خبر "أكون"، ويُمكن أن يقال: إن هذا الضمير وُضِع موضع اسم الإشارة؛ أي أكون ذلك العبدَ، كما في قول رؤبة [من الرجز]:

فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَلَقْ … كَأَنَّهُ فِي الْجِلْدِ تَوْلِيعُ الْبَهَقْ (١)

قيل له: إن أردت الخطوط فقل: كأنها، وإن أردت السواد والْبَلَق، فقل: كأنهما، فقال: أردت كأن ذاك. انتهى (٢).

وإنما قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وأرجو"؛ تواضعًا؛ لأنه إذا كانت تلك المنزلة الرفيعة لا تكون إلا لواحد، فلا يكون ذلك الواحد إلا هو -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه أفضل الجمع.

وقال في "المنهل": وقال ذلك قبل أن يوحى إليه أنه صاحبها، ويَحْتَمِل أنه قاله بعد أن أُوحي إليه بها، فيكون ذلك تواضعًا منه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأمره للأمة بسؤال الوسيلة بعدُ لزيادة الرفعة والمقام، كبقيّة الدعاء له، ولتنال الأمة الأجر على الدعاء له. انتهى.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "وأرجو" قال هذا -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن يبان له أنه صاحبها؛ إذ قد أخبر أنه يقوم مقامًا لا يقومه أحدٌ غيره، ويَحمَد اللَّه بمحامد لم يُلهمها أحد غيره، ولكن مع ذلك فلا بدّ من الدعاء فيها، فإن اللَّه تعالى يزيده بكثرة دعاء أمته رِفْعةً كما زاده بصلاتهم، ثم إنه يرجع ذلك عليهم بنيل الأجور، ووجوب شفاعته -صلى اللَّه عليه وسلم-. انتهى (٣).

(فَمَنْ) شرطيّة أيضًا (سَأَلَ لِي) أي لأجلي (الْوَسِيلَةَ) المذكورة، فـ "أل" فيه للعهد الذكريّ؛ للقاعدة المشهورة أن المعرفة إذا أُعيدت معرفةً كانت عين الأولى، قال السيوطيّ في "عقود الجمان" [من الرجز]:


(١) "التوليع": استطالة البلَق، و"البَلَق" محرّكةً: بياض وسواد، و"البهق" بوزنه: بياض رقيق بسبب سوء مزاج العضو، أفاده في "ق".
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ٩١٢.
(٣) "المفهم" ٢/ ١٣.