للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بوجهك، وشَرَاشِرك على الْهُدَى عاجلًا، وعلى الفلاح آجلًا، أجاب بأن هذا أمرٌ عظيمٌ، وخطْبٌ جسيم، وهي الأمانة التي عُرِضَت على السموات والأرض، فَأَبَيْنَ أن يَحْملنها، وأشفقن منها، فكيف أحملها مع ضعفي، وتشتّت أحوالي؟ ولكن إذا وفّقني اللَّه بحوله وقوّته لعلّي أقوم بها. انتهى.

(ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) معنى "حَيّ على كذا": أي تَعَالَوْا إليه، و"الفلاح": الْفَوْز والنجاة، وإصابة الخير، قالوا: وليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة "الفلاح"، وتَقْرُب منها "النصيحة"، وقد سبق بيان هذا في حديث: "الدينُ النصيحة"، فمعنى "حيّ على الفلاح": أي تَعالَوْا إلى سبب الفوز والبقاء في الجنة، والخلود في النعيم، و"الفَلاح"، و"الْفَلَحُ": تُطلِقهما العرب أيضًا على البقاء (١).

(قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) وإنما أفرد -صلى اللَّه عليه وسلم- الشهادتين والحيعلتين في هذا الحديث مع أن كلّ نوع منها مثنًّى كما هو المشروع؛ لقصد الاختصار، قاله في "المرعاة" (٢).

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: معناه: قال كلَّ نوع من هذا مُثَنَّى، كما هو المشروع، فاختصر -صلى اللَّه عليه وسلم- من كل نوع شطره؛ تنبيهًا على باقيه. انتهى (٣).

[تنبيه]: قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا باللَّه" يجوز فيه خمسة أوجه لأهل العربية مشهورة:

[أحدهما]: لا حولَ ولا قُوّةَ بفتحهما بلا تنوين.

[والثاني]: فتح الأوّل، ونصب الثاني منونًا.

[والثالث]: رفعهما منونين.

[والرابع]: فتح الأول، ورفع الثاني منونًا.

[والخامس]: عكسه.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذه الأوجهُ هي التي أشار إليها ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة"، حيث قال:


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ٨٧.
(٢) "المرعاة" ٢/ ٣٦٥.
(٣) "شرح النوويّ" ٤/ ٨٦.