فهذا كله يدلّ على أنه كان يَعتبِر حالَ الداخلين في الإسلام، فإن أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وإلا لم يمتنع عن قتالهم، وفي هذا وقع تناظر أبي بكر وعمر - رضي الله عنه -، كما في قصّتهما السابقة.
فأبو بكر - رضي الله عنه - أَخَذَ قتالهم من قوله:"إلا بحقه"، فدَلّ على أن قتالَ مَن أتى بالشهادتين جائز، ومن حقه أداءُ حقّ المال الواجب، وعمر - رضي الله عنه - ظَنّ أن مجرد الإتيان بالشهادتين يَعْصِم الدم في الدنيا؛ تَمَسُّكًا بعموم أول الحديث، كما ظَنّ طائفة من الناس أنّ مَن أتى بالشهادتين امتنع من دخول النار في الآخرة؛ تَمَسُّكًا بعموم ألفاظٍ وَرَدت، وليس الأمر على ذلك، ثم إن عمر - رضي الله عنه - رَجَعَ إلى موافقة أبي بكر - رضي الله عنه -.
وقد خَرَّج النسائي قصة تناظر أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - بزيادةٍ، وهي أن أبا بكر قال لعمر: إنما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة"، وخَرَّجه ابن خزيمة في "صحيحه"، ولكن هذه الرواية خطأ أخطأ فيها عمران القطان إسنادًا ومتنًا، قاله الأئمة الحفاظ، منهم علي بن المدينيّ، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والترمذيّ، والنسائيّ، ولم يكن هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظ عند أبي بكر ولا عمر.
وإنما قال أبو بكر:"والله لأقاتلنّ من فَرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقّ المال"، وهذا أخذه والله أعلم من قوله في الحديث:"إلا بحقها"، وفي رواية:"إلا بحق الإسلام"، فجَعَلَ من حق الإسلام إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، كما أن من حقه أن لا تُرتَكَب الحدود، وجعل كل ذلك مما استثني بقوله:"إلا بحقها".
وقوله: لأقاتلن مَن فَرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حقّ المال"، يدلّ على أن من ترك الصلاة، فإنه يُقاتَل؛ لأنها حق البدن، فكذلك من ترك الزكاة التي هي حق المال.
وفي هذا إشارة إلى أن قتال تارك الصلاة أمر مُجْمَعٌ عليه؛ لأنه جعله أصلًا مقيسًا عليه، وليس هو مذكورًا في الحديث الذي احْتَجَّ به عمر - رضي الله عنه -، وإنما أُخِذ من قوله: "إلا بحقها"، فكذلك الزكاة؛ لأنها من حقها، وكلُّ ذلك من حقوق الإسلام.