الرفع مطلقًا هو الأرجح، وأما القول بالإيجاب فليس عليه دليلٌ يُعتمد عليه، وغاية ما استدلّوا به حديث:"صلُّوا كما رأيتموني أصلّي"، متّفق عليه، وهذا استدلال غير صحيح؛ لاستلزامه وجوب جميع أفعال الصلاة، بحيث لا يوجد فيها شيء من المستحبّات، وهذا لا يقولون به؛ فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "إذا افتتح الصلاة رفع يديه" ظاهره أنه إنما رفع يديه بعد فراغ التكبير؛ لأن افتتاح الصلاة هو التكبير، ولا أعلم أحدًا قال به، ويَحْتَمِل أن معناه أنه شَرَع في الرفع عند الشروع في التكبير، فأتي بالرفع والتكبير مقترنين، وهذا مذهب سنحكيه، وحملُ الحديث عليه أولى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: بل يتعيّن الحمل المذكور؛ لأن رواية ابن جريج التالية صريحة في ذلك، ولفظها:"إذا قام إلى الصلاة، رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثمّ كبّر"، وفي رواية لأبي داود من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أيضًا:"كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة رفع يديه، حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبّر وهما كذلك"، فهذا صريح في تقديم رفع اليدين على التكبير؛ لعطفه بـ "ثُمّ"، فيكون معنى قوله في هذه الرواية:"إذا افتتح الصلاة": إذا أراد أن يفتتحها، واللَّه تعالى أعلم.
قال وليّ الدين: وقد اختَلَف العلماء في هذه المسألة، ولأصحابنا فيها خمسة أوجه:
[أحدها]: أنه يرفع غير مكبر، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين، وينهيه مع انتهائه.
[والثاني]: يرفع غير مكبر، ثم يكبر ويداه قارّتان، ثم يرسلهما، ويدل له رواية أبي داود المتقدم ذكرُها.
وذَكَر الشيخ ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" أن هذا القول ينسب إلى رواية ابن عمر. قال: والرواية التي في "الصحيحين" ظاهرها مخالف له، وكأن الشيخ -رَحِمَهُ اللَّهُ- لم يستحضر رواية أبي داود هذه التي ذكرناها.