الذي ذهب إليه أبو عوانة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مسنده"(١).
والحاصل أن الأحاديث المذكورة كلّها صحاح، فالأولى والأحسن العمل بكلّها في الأوقات المختلفة، فلا حاجة إلى الترجيح؛ لأنه إنما يُصار إليه عند تعذّر العمل بالروايات كلّها، وهنا ليس كذلك، فالجمع أولى؛ فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في حكمة رفع اليدين في الصلاة:
قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختَلَفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين، فقال الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فعلته إعظامًا للَّه تعالى، واتباعًا لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال غيره: هو استكانةٌ، واستسلامٌ، وانقياد، وكان الأسير إذا غُلِب مَدّ يديه إعلامًا باستسلامه، وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا، والإقبال بكليته على صلاته، ومناجاة ربه -كما تضمن ذلك قوله:"اللَّه أكبر"، فتَطابَقَ فعله وقوله-، وقيل: إشارة إلى دخوله في الصلاة، وهذا الأخير يختص بالرفع لتكبيرة الإحرام، وقيل غير ذلك، وفي أكثرها نظر، واللَّه أعلم. انتهى.
وهذا المعنى الأخير وهو الإشارة إلى دخوله في الصلاة، قد ذكره الحنفية مع زيادة فيه، وهو إعلام الأصمّ ونحوه بذلك، وذكره أيضًا المهلَّب من المالكية، وذكر الحنفية أيضًا في رفع اليدين معنى آخر، وهو الإشارة إلى نفي الكبرياء عن غير اللَّه تعالى، وقال أبو العباس القرطبيّ: قيل: فيه أقوالٌ أنسَبُها مطابقةُ قوله: "اللَّه أكبر" لفعله، وقال ابن عبد البرّ: معنى رفع اليدين عند الافتتاح وغيره خضوعٌ، واستكانةٌ، وابتهالٌ، وتعظيم للَّه عزَّ وجلَّ، واتباعٌ لسنة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد قال بعض العلماء: إنه من زينة الصلاة، ثم حَكَى عن عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه كان يقول: لكل شيء زينةٌ، وزينة الصلاة التكبير، ورفع الأيدي فيها، وعن النعمان بن أبي عيّاش قال: كان يقال: لكل شيء زينةٌ، وزينة الصلاة التكبير، ورفع الأيدي عند الافتتاح، وحين تريد أن تركع،