في ذلك حديث ابن عمر هذا، وفيه حذو منكبيه، وعليه جمهور التابعين، وفقهاء الأمصار، وأهل الحديث، وقد رَوَى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يرفع يديه في الإحرام حذو منكبيه، وفي غير الإحرام دون ذلك قليلًا، وكل ذلك واسع حسنٌ، وابن عمر رَوَى الحديث، وهو أعلم بمخرجه وتأويله، وكلُّ ذلك معمول به عند العلماء. انتهى.
وقال القاضي أبو بكر ابن العربي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في صفة الرفع ثلاثة أقوال: قيل: حذو الصدر، وقيل: حذو المنكب، وقيل: حذو الأذن، فأما حِيَال الصدر فليس بشيء، وأما حيال المنكب والأذن، فقد رُوي ذلك عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في "الصحيح"، والجمع بينهما أن تكون أطراف الأصابع بإزاء الأذنين، وآخر الكف بإزاء المنكبين، فذلك جمع بين الروايتين.
وقال النووي في "شرحه": المشهور من مذهبنا، ومذهب الجماهير أنه يرفع يديه حذو منكبيه، بحيث يحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، أي أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه، وراحتاه منكبيه، فهذا معنى قولهم: حذو منكبيه، وبهذا جمع الشافعي -رَحِمَهُ اللَّهُ- بين روايات الحديث، فاستحسن الناس ذلك منه.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: في هذا الجمع الذي ذكروه عندي نظر؛ لأنه إن صحّت هذه الكيفيّة رواية، فذاك، وإلا فيكون خروجًا عن الكيفيّتين الثابتتين في الأحاديث الصحيحة.
فالحقّ العمل بالكيفيّتين في أوقات مختلفة؛ فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
وقال الطحاويّ: إنما كان الرفع إلى المنكبين في حديث ابن عمر وقت كانت يداه في ثيابه، بدليل قوله في حديث وائل بن حجر:"فرأيته يرفع يديه حذاء أذنيه"، وفيه:"ثم أتيته من العام المقبل، وعليهم الأكسية والبرانس، فكانوا يرفعون أيديهم فيه"، وأشار شريك إلى صدره. انتهى.
واعترضه البيهقيّ بأنه قد ورد في حديث وائل الرفع إلى المنكبين أيضًا، وهو أولى لموافقته بقية الروايات، قال: مع أنه قد يستطاع الرفع في الثياب إلى الأذنين، وفي زعمه إلى المنكبين، ولم يرفعهما في روايته إلا إلى صدره،