للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لَمْ يقرأ بفاتحة الكتاب في عمره قطّ، أو لمن لم يقرأ في شيء من الصلوات قطّ، حتى لا يقال: لازم الأول افتراض الفاتحة في عمره مرةً، ولو خارج الصلاة، ولازم الثاني افتراضها مرةً في صلاة من الصلوات، فلا يلزم منه الافتراض لكل صلاة، وكذا ليس معناه: لا صلاة لمن ترك الفاتحة، ولو في بعض الصلوات؛ إذ لازمه أنه بترك الفاتحة في بعض الصلوات تفسد الصلوات كلها، ما تُرِك فيها، وما لَمْ يترك فيها؛ إذ كلمة "لا" لنفي الجنس، ولا قائل به، بل معناه: لا صلاة لمن لم يقرأ بالفاتحة من الصلوات التي لم يُقرأ فيها، فهذا عمومٌ محمول على الخصوص، بشهادة العقل، وهذا الخصوص هو الظاهر المتبادر إلى الأفهام، من مثل هذا العموم، وهذا الخصوص لا يضرّ بعموم النفي للجنس؛ لشمول النفي بعدُ لكل صلاة تُرك فيها الفاتحة، وهذا يكفي في عموم النفي.

ثم قد قَرَّروا أن النفي لا يُعْقَل إلَّا مع نسبةٍ بين أمرين، فيقتضي نفيُ الجنس أمرًا مستندًا إلى الجنس؛ ليتعقل النفي مع نسبته، فإن كان ذلك الأمر مذكورًا في الكلام فذاك، وإلا يُقَدَّر من الأمور العامّة؛ كالكون، والوجود، أما الكمال، فقد حَقَّق المحقق الكمال (١) ضعفه؛ لأنه مخالف للقاعدة، لا يصار إليه إلَّا بدليل، والوجود في كلام الشارع يُحمَل على الوجود الشرعيّ دون الحسيّ، فمُفاد الحديث نفي الوجود الشرعيّ للصلاة التي لم يُقرَأ فيها بفاتحة الكتاب، وهو عين نفي الصحة، وما قال أصحابنا -يعني الحنفيّة-: إنه من حديث الآحاد، وهو ظنيّ، لا يفيد العلم، وإنما يوجب العمل، فلا يلزم منه الافتراض، ففيه أنه يكفي في المطلوب، أنه يوجب العمل ضرورةَ أنه يوجب العمل بمدلوله، لا بشيء آخر، ومدلوله عدم صحة صلاةٍ لَمْ يُقْرَأ فيها بفاتحة الكتاب، فوجوب العمل به يوجب القول بفساد تلك الصلاة، وهو المطلوب.

فالحق أن الحديث يفيد بطلان الصلاة إذا لم يُقْرَأ فيها بفاتحة الكتاب.

نعم يمكن أن يقال: قراءة الإمام قراءة المقتدي، كما ورد به بعض الأحاديث، فلا يلزم بطلان صلاة المقتدي إذا ترك الفاتحة، وقرأها الإمام.


(١) أراد به الكمال ابن الهمام، صاحب "فتح القدير شرح الهداية" في الفقه الحنفيّ.