للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بحديث: "من صلى خلف إمام، فقراءة الإمام له قراءة"، لكنه حديث ضعيف عند الحفاظ، وقد استوعب طرقه وعللَّه الدارقطنيّ وغيره.

واستَدَلّ من أسقطها عنه في الجهرية، كالمالكية بحديث: "وإذا قرأ فأنصتوا"، وهو حديث صحيح، أخرجه مسلم، من حديث أبي موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه-، ولا دلالة فيه؛ لإمكان الجمع بين الأمرين، فيُنصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام، ويقرأ إذا سكت، وعلى هذا فيتعين على الإمام السكوت في الجهرية ليقرأ المأموم؛ لئلا يوقعه في ارتكاب النهي، حيث لا يُنصت إذا قرأ الإمام.

وقد ثبت الإذن بقراءة المأموم الفاتحة في الجهرية بغير قيد، وذلك فيما أخرجه البخاريّ في "جزء القراءة"، والترمذيّ، وابن حبان، وغيرهما، من رواية مكحول، عن محمود بن الربيع، عن عبادة -رضي اللَّه عنه-، أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثَقُلَت عليه القراءة في الفجر، فلما فرغ قال: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ " قلنا: نعم، قال: "فلا تفعلوا إلَّا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، والظاهر أن حديث الباب مختصر من هذا، وكأنّ هذا سببه، واللَّه أعلم.

وله شاهد من حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه- عند أبي داود، والنسائيّ، ومن حديث أنس -رضي اللَّه عنه- عند ابن حبان.

ورَوَى عبد الرزاق، عن سعيد بن جبير، قال: لا بُدّ من أم القرآن، ولكن مَن مَضَى كان الإمام يسكت ساعةً قدر ما يقرأ المأموم بأم القرآن. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بهذا الحديث الصحيح أنه لا بُدّ للمأموم من قراءة الفاتحة مطلقًا، سواء كانت الصلاة جهريّة، أم سريّةً، فتبصر؛ ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في القراءة في الصلاة:

ذهب العلماء كافّةً إلى وجوبها، ولا تصح الصلاة إلَّا بها، قال النوويّ: ولا خلاف فيه إلَّا ما حكاه القاضي أبو الطيب، ومتابعوه عن الحسن بن صالح، وأبي بكر الأصم أنهما قالا: لا تجب القراءة، بل هي مستحبة،


(١) "الفتح" ٢/ ٢٨٣ - ٢٨٤.