واحتُجّ لهما بما رواه أبو سلمة، ومحمد بن عليّ أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- صلى المغرب، فلم يقرأ، فقيل له؟ فقال: كيف كان الركوع والسجود؟ قالوا: حَسَنًا، قال: فلا بأس، رواه الشافعي في "الأم"، وغيره، وعن الحارث الأعور أن رجلًا قال لعليّ -رضي اللَّه عنه-: إني صليت، ولم أقرأ، قال: أتممت الركوع والسجود؟ قال: نعم، قال: تمّت صلاتك، رواه الشافعيّ، وعن زيد بن ثابت -رضي اللَّه عنه- قال: القراءة سنة، رواه البيهقيّ.
واحتج الجمهور بالأحاديث الصحيحة المذكورة في الباب، ولا معارض لها.
وأما الأثر عن عمر -رضي اللَّه عنه- فجوابه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ضعيف؛ لأن أبا سلمة، ومحمد بن عليّ لم يدركا عمر.
والثاني: أنه محمول على أنه أسرّ بالقراءة.
والثالث: أن البيهقيّ رواه من طريقين موصولين، عن عمر -رضي اللَّه عنه- أنه صلى المغرب، ولم يقرأ فأعاد، قال البيهقيّ: وهذه الرواية موصولة موافقة للسنة في وجوب القراءة، وللقياس في أن الأركان لا تسقط بالنسيان.
وأما الأثر عن عليّ -رضي اللَّه عنه- فضعيف أيضًا؛ لأن الحارث الأعور متّفقٌ على ضعفه، وترك الاحتجاج به.
وأما الأثر عن زيد -رضي اللَّه عنه-، فقال البيهقيّ وغيره: مراده أن القراءة لا تجوز إلَّا على حسب ما في المصحف، فلا تجوز مخالفته، وإن كان على مقاييس العربية، بل حروف القراءة سنة متبعة؛ أي طريق يُتَّبَعُ، ولا يُغَيَّر، واللَّه أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق من الأدلّة أن ما ذهب إليه الجمهور من وجوب القراءة في الصلاة، وأنها لا تصحّ بدونها هو الحقّ، وأن الأقوال المخالفة لهذا إما غير صحيحة عمن نُسبت إليه، وإما شاذّة لا يُلتفت إليها، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في وجوب قراءة الفاتحة في الصلاة: