ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، إلى أن الفاتحة متعينة لا تصح صلاة القادر عليها إلَّا بها، وقد حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن أبي العاص، وابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدريّ، وخَوّات بن جُبير، والزهريّ، وابن عون، والأوزاعيّ، ومالك، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وقال أبو حنيفة: لا تتعين الفاتحة، لكن تستحب، وفي رواية عنه: تجب، ولا تشترط، ولو قرأ غيرها من القرآن أجزأه، وفي قدر الواجب ثلاث روايات عنه: إحداها: آية تامة، والثانية: ما يتناوله الاسم، قال الرازيّ: وهذا هو الصحيح عندهم، والثالثة: ثلاث آيات قصار، أو آية طويلة، وبهذا قال أبو حنيفة ومحمد.
واحتُجَّ لأبي حنيفة بقول اللَّه تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل: ٢٠]، وبحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال للمسيء صلاته:"كَبِّرْ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن"، متّفقٌ عليه، وبحديث أبي سعيد -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هو:"لا صلاة إلَّا بفاتحة الكتاب أو غيرها"، وفي حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صلاة إلَّا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب".
قالوا: فدلّ على أن غيرها يقوم مقامها، قالوا: ولأن سور القرآن في الحرمة سواء، بدليل تحريم قراءة الجميع على الجنب، وتحريم مس المحدث المصحف.
واحتج الجمهور بحديث عبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- المذكور في الباب:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، متّفقٌ عليه.
فإن قالوا: معناه: لا صلاة كاملة، قلنا: هذا خلاف الحقيقة، وخلاف الظاهر، والسابق إلى الفهم، فلا يُقْبَل.
وعن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من صلى صلاةً لَمْ يقرأ فيها بأم الكتاب، فهي خِدَاجٌ"، يقولها ثلاثًا، أي غير تمام، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك، فإني سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:"قال اللَّه تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين. . . " الحديث.