[فإن قيل]: هذا معارَضٌ بترك الجهر بها، فإنه مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله، ثم هو مع ذلك ليس منقولًا بالتواتر، بل قد تنازع فيه العلماء، فكما أن ترك الجهر بتقدير ثبوته كان يداوم عليه، ثم لم ينقل نقلًا قاطعًا، بل وقع فيه النزاع.
[قيل: الجواب عن هذا من وجوه]:
[أحدها]: أن الذي تتوافر الهمم والدواعي على نقله في العادة، ويجب نقله شرعًا، هو الأمور الوجودية، فأما الأمور العدمية فلا خبر لها، ولا ينقل منها إلا ما ظُنّ وجوده، أو احتيج إلى معرفته، فيُنقَل للحاجة، ولهذا لو نَقَل ناقل افتراض صلاة سادسة، أو زيادة على صوم رمضان، أو حجًّا غير حج البيت، أو زيادة في القرآن، أو زيادة في ركعات الصلاة، أو فرائض الزكاة، ونحو ذلك لقطعنا بكذبه، فإن هذا لو كان لوجب نقله نقلًا قاطعًا عادةً وشرعًا، وإن عَدَم النقل يدلّ على أنه لم يُنقل نقلًا قاطعًا عادةً وشرعًا، بل يستدل بعدم نقله مع توافر الهمم والدواعي في العادة والشرع على نقله، أنه لم يكن.
وقد مثّل الناس ذلك بما لو نَقَل ناقل أن الخطيب يوم الجمعة سقط من المنبر، ولم يُصَلّ الجمعة، أو أن قومًا اقتتلوا في المسجد بالسيوف، فإنه إذا نَقَل هذا الواحد والاثنان والثلاثة دون بقية الناس علمنا كذبهم في ذلك؛ لأن هذا مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله في العادة، وإن كانوا لا ينقلون عدم الاقتتال، ولا غيره من الأمور العدمية.
يُوَضِّح ذلك أنهم لم ينقلوا الجهر بالاستفتاح والاستعاذة، واستدلّت الأمة على عدم جهره بذلك، وإن كان لم ينقل نقلًا عامًّا عدم الجهر بذلك، فبالطريق الذي يُعلَم عدم جهره بذلك يُعلَم عدم جهره بالبسملة.
وبهذا يحصل الجواب عما يورده بعض المتكلمين على هذا الأصل، وهو كون الأمور التي تتوافر الهمم والدواعي على نقلها يمتنع ترك نقلها، فإنهم عارضوا أحاديث الجهر والقنوت والأذان والإقامة، فأما الأذان والإقامة فقد نُقِل فعل هذا وهذا، وأما القنوت فإنه قَنَت تارةً، وترك تارةً، وأما الجهر فإن الخبر عنه أمر وجوديّ، ولم يُنقَل فيدخل في القاعدة.
[الوجه الثاني]: أن الأمور العدمية لَمّا احتيج إلى نقلها نُقِلت، فلما