في هذا الباب، عَلِم أنها آية من كتاب اللَّه، وأنهم قرأوها لبيان ذلك، لا لبيان كونها من الفاتحة، وأن الجهر بها سنة، مثل ما ذكر ابن وهب في "جامعه"، قال: أخبرني رجال من أهل العلم، عن ابن أسلم، وابن شهاب مثله بغير هذا الحديث، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه كان يفتتح القراءة بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، قال ابن شهاب: يريد بذلك أنها آية من القرآن، فإن اللَّه أنزلها، قال: وكان أهل الفقه يفعلون ذلك فيما مضى من الزمان.
وحديث ابن عمر معروف من حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- أنه كان إذا صلى جَهَر {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فإذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، فهذا الذي ذكره ابن شهاب الزهريّ، وهو أعلم أهل زمانه بالسنة، يُبَيِّن حقيقة الحال، فإن العمدة في الآثار في قراءتها، إنما هي عن ابن عباس، وأبي هريرة، وابن عمر، وقد عُرف حقيقة حال أبي هريرة في ذلك، وكذلك غيره -رضي اللَّه عنهم-، ولهذا كان العلماء بالحديث ممن يَروي الجهر بها ليس معه حديث صريح؛ لعلمه بأن تلك أحاديث موضوعة، مكذوبة على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإنما يتمسك بلفظ محتمل، مثل اعتمادهم على حديث نعيم المجمر، عن أبي هريرة المتقدم، وقد رواه النسائيّ، فإن العارفين بالحديث يقولون: إنه عمدتهم في هذه المسألة، ولا حجة فيه، فإن في "صحيح مسلم" عن أبي هريرة أظهر دلالة على نفي قراءتها من دلالة هذا على الجهر بها، فإن في "صحيح مسلم"، عن أبي هريرة، عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال:"يقول اللَّه: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: نصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد:{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال اللَّه: حمدني عبدي، فإذا قال:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مَجّدني عبدي، أو قال: فَوَّض إليّ عبدي، فإذا قال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال: فهذه الآية بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}، قال: فهؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل".
وقد رَوَى عبد اللَّه بن زياد بن سليمان -وهو كذاب- أنه قال في أوله: