للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جهره بها أولى أن يثبت دليلًا على أنه ليعرّفهم استحباب قراءتها، وأن قراءتها مشروعة كما جَهَر عمر بالاستفتاح، وكما جهر ابن عباس بقراءة فاتحة الكتاب على الجنازة، ونحو ذلك، ويكون أبو هريرة قصد تعريفهم أنها تقرأ في الجملة، وإن لم يُجهر بها، وحينئذ فلا يكون هذا مخالفًا لحديث أنس الذي في "الصحيح"، وحديثِ عائشة الذي في "الصحيح"، وغير ذلك.

هذا إن كان الحديث دالًا على أنه جهر بها، فإن لفظه ليس صريحًا بذلك من وجهين:

[أحدهما]: أنه قال: قرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم قرأ أم القرآن، ولفظ القراءة محتمل أن يكون قرأها سرًّا، ويكون نعيم علم ذلك بقربه منه، فإن قراءة السرّ إذا قويت يسمعها مَن يلي القارئ، ويمكن أن أبا هريرة أخبره بقراءتها، وقد أخبر أبو قتادة بأن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب، وسورة، وفي الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وهي قراءة سرّ، كيف وقد بيّن في الحديث أنها ليست من الفاتحة؛ فأراد بذلك وجوب قراءتها فضلًا عن كون الجهر بها سنةً فإن النزاع في الثاني أضعف.

[الثاني]: أنه لم يُخبر عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قرأها قبل أم الكتاب، وإنما قال في آخر الصلاة: إني لأشبهكم صلاةً برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي الحديث أنه أَمّن، وكَبّر في الخفض والرفع، وهذا ونحوه مما كان يتركه الأئمة، فيكون أشبههم برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من هذه الوجوه التي فعل فيها ما فعله رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتركوه هم، ولا يلزم إذا كان أشبههم بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن تكون صلاته مثل صلاته من كل وجه، ولعل قراءتها مع الجهر أمثل من ترك قراءتها بالكلية عند أبي هريرة، وكان أولئك لا يقرأونها أصلًا، فيكون قراءتها مع الجهر أشبه عنده بصلاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإن كان غيره ينازع في ذلك.

وأما حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه، فيُعْلَم أوّلًا أن تصحيح الحاكم وحده، وتوثيقه وحده لا يوثق به فيما دون هذا، فكيف في مثل هذا الموضع الذي يعارض فيه بتوثيق الحاكم؟ وقد اتَّفق أهل العلم في الصحيح على خلافه، ومن له أدنى خِبْرة في الحديث وأهله لا يعارض بتوثيق الحاكم ما قد ثبت في الصحيح خلافه، فإن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من