للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى إن تصحيحه دون تصحيح الترمذيّ، والدارقطنيّ، وأمثالهما بلا نزاع، فكيف بتصحيح البخاريّ ومسلم؟ بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة، وأبي حاتم بن حبان البستيّ، وأمثالهما، بل تصحيح الحافظ أبي عبد اللَّه محمد بن عبد الواحد المقدسيّ في "مختاراته" خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب، عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذيّ أحيانًا يكون مثل تصحيحه، أو أرجح، وكثيرًا ما يصحح الحاكم أحاديث يُجْزَم بأنها موضوعة لا أصل لها، فهذا هذا (١).

والمعروف عن سليمان التيميّ وابنه معتمر، أنهما كانا يجهران بالبسملة، لكن نقلُهُ عن أنس هو المنكر، كيف وأصحاب أنس الثقات الأثبات يروون عنه خلاف ذلك؛ حتى إن شعبة سأل قتادة عن هذا، قال: أنت سمعت أنسًا يذكر ذلك؟ قال: نعم، وأخبره باللفظ الصريح المنافي للجهر، ونقْلُ شعبة عن قتادة ما سمعه من أنس في غاية الصحة، وأرفع درجات الصحيح عند أهله؛ إذ قتادة أحفظ أهل زمانه، أو من أحفظهم، وكذلك إتقان شعبة وضبطه هو الغاية عندهم.

وهذا مما يُرَدُّ به قول من زعم أن بعض الناس روى حديث أنس بالمعنى الذي فهمه، وأنه لم يكن في لفظه إلا قوله: "يستفتحون الصلاة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "، ففهم بعض الرواة من ذلك نفي قراءتها، فرواه من عنده، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو أبعد الناس علمًا برواة الحديث، وألفاظ رواياتهم الصريحة التي لا تَقبل التأويل، وبأنهم من العدالة والضبط في الغاية التي لا تَحْتَمِل المجازفة، أو أنه مكابِرٌ صاحب هَوًى يتبع هواه، ويَدَع مُوجَبَ العلم والدليل.

ثم يقال: هَبْ أن المعتمر أخذ صلاته عن أبيه، وأبوه عن أنس، وأنس عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهذا مُجْمَل، ومُحْتَمِلٌ؛ إذ ليس يمكن أن يَثْبُت كل حكم جزئيّ من أحكام الصلاة بمثل هذا الإسناد المجمل؛ لأنه من المعلوم أن مع طول


(١) هكذا النسخة، والظاهر أن صوابه "فكذا هذا"، واللَّه أعلم.