قال الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وكلّ هذه الأقوال غريبة جدًّا، والصحيح القول الأول، وهو أن المراد بالنحر ذبح المناسك.
وقال إمام المفسّرين ابن جرير الطبريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والصواب قول من قال: إن معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلّها لربك خالصًا، دون ما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شُكرًا له على ما أعطاك من الكرامة، والخير الذي لا كفاء له، وخصّك به. انتهى.
قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا الذي قاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظيّ وعطاء. انتهى كلام ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم.
({إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[الكوثر: ٣]) أي إن مبغضك يا محمد، ومُبْغِض ما جئت به من الهدى والحقّ، والبرهان الساطع، والنور المبين، هو الأبتر الأقلّ الأذلّ المنقَطِع ذِكْرُهُ.
قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة: نزلت في العاص بن وائل، وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رُومَان قال: كان العاص بن وائل إذا ذَكَر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: دَعُوه، فإنه رجل أبتر، لا عَقِب له، فإذا هلك انقطع ذِكْره، فأنزل اللَّه هذه السورة، وقال شَمِر بن عطية: نزلت في عُقبة بن أبي مُعَيط، وقال ابن عباس أيضًا وعكرمة: نزلت في كعب بن الأشرف، وجماعة من كفار قريش.
وقال البزّار: حدثنا زياد بن يحيى الحسانيّ، حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قَدِمَ كعب بن الأشرف مكة، فقالت له قريش: أنت سيدهم، ألا ترى إلى هذا الْمُنصَبِر الْمُنْبَتِر (١) من قومه يزعم أنه خير منّا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السِّدانة، وأهل السِّقاية؟ فقال: أنتم خير منه، قال فنزلت: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)}، هكذا رواه البزار، وهو إسناد صحيح.
وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-،
(١) "الْمُنْصَبر": الذي لا عَقِب له، و"الْمُنْبَتِرُ": الذي لا ولد له.