للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فذهب أبو لهب إلى المشركين، فقال: بُتِرَ محمد الليلةَ، فأنزل اللَّه في ذلك: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)}.

وعن ابن عباس: نزلت في أبي جهل، وعنه: {إِنَّ شَانِئَكَ} يعني عَدُوَّك.

قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا يَعُمّ جميع من اتَّصَف بذلك، ممن ذُكِر وغيرهم. وقال عكرمة: الأبتر الفرد، وقال السُّدّيّ: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بُتِر، فلما مات أبناء رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قالوا: بُتِرَ محمد، فأنزل اللَّه: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)}.

قال ابن كثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره، فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره، وحاشا، وكلّا، بل قد أبقى اللَّه ذكره على رؤوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رِقَاب العباد مستمرًّا على دوام الآباد، إلى يوم المحشر والمعاد، صلوات اللَّه وسلامه عليه دائمًا إلى يوم التناد. انتهى (١).

(ثُمَّ قَالَ) النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- موضّحًا لهم معنى ما أنزل اللَّه عليه (أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ؟ ") أي أتعلمون أيُّ شيء معنى الكوثر الذي أعطانيه اللَّه عز وجل؟ (فَقُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) بمعناه وحقيقته، (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("فَإِنَّهُ) أي الكوثر (نَهْرٌ) -بفتح النون، وسكون الهاء-: الماء الجاري المتَّسِعُ، والجمع: نُهُرٌ -بضمّتين- وأَنْهُرٌ، و"النَّهَرُ"-بفتحتين- لغة، والجمع: أنهار، مثلُ سَبَب وأَسْباب (٢).

(وَعَدَنِيهِ رَبِّي عز وجل) وفي رواية النسائيّ: "وعدنيه ربي في الجنّة" (عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، هُوَ حَوْضٌ) وفي نسخة: "هو حوضي" بالإضافة إلى ياء المتكلّم، قال الفيّوميّ: حَوْضُ الماءِ، جمعه أَحْوَاضٌ، وحِيَاضٌ، وأصل حِيَاض الواوُ، لكن قُلِبت ياءً؛ للكسرة قبلها، مثلُ ثواب وأثواب وثيَاب. انتهى (٣).

(تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أي تحضره؛ لتشرب منه، أو تبلغُه، وتوافيه، وهو: بفتح أوله، وكسر ثانيه، مضارع وَرَدَ، يقال: وَرَد زيدٌ علينا وُرُودًا: إذا


(١) تفسير ابن كثير ٤/ ٥٦٠.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٦٢٧.
(٣) "المصباح المنير" ١/ ١٥٦.