للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آمنَ غيرَهُ، فهو في الحقيقة راجعٌ إليك، وإلى توفيقك إياه، وأنه غير مستقلّ به، ومن ثَمّ قُدّم المعمول على عامله، ثم إذا قلت: "السلام عليك" ناقضت، حيث توهّمت أنه مفتقرٌ إلى ما هو منزَّهٌ عنه من إزالة الخوف. انتهى (١).

[فإن قلت]: ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله: "السلام عليك أيها النبيّ" مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق، كأن يقول: السلام على النبيّ، فينتقل من تحية اللَّه إلى تحية النبيّ، ثم إلى تحية النفس، ثم إلى تحية الصالحين؟.

[قلت]: أجاب الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بما مُحَصَّله: نحن نَتَّبع لفظ الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بعينه الذي علَّمه للصحابة، قال: ومن ذهب إلى الغيبة توخَّى معنى ما يؤدَّى به اللفظ بحسب مقام الغيبة، وقريبٌ منه قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} الآية [آل عمران: ١٢] بالياء والتاء، فالياء التحتانيّة هو اللفظ المتوعّد به بعينه، والفوقيّة معنى بحسب مقام الخطاب، وينصر هذا التأويل ما رواه البخاريّ في "صحيحه" عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- أنه قال: "علّمني النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكفّي بين كفّيه التشهّد، كما يعلّمني السورة من القرآن. . ." إلى قوله: "السلام عليك، وهو بين ظهرانينا، فلما قُبِض قلنا: السلام على النبيّ". انتهى (٢).

[فإن قلت]: ما الألف واللام في "السلام عليك"؟.

[قلت]: قال الطيبي -رَحِمَهُ اللَّهُ- أيضًا: إما للعهد التقديريّ، أي ذلك السلام الذي وُجِّه إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام المتقدِّمة مُوَجَّهٌ إليك أيها النبيّ، والسلام الذي وُجِّه إلى الأمم السالفة من الصلحاء علينا وعلى إخواننا.

وإما للجنس، أي حقيقة السلام الذي يَعْرِفه كلُّ أحد أنه ما هو؟ وعمن يَصْدُر؟ وعلى من يَنْزل؟ عليك وعلينا، ويجوز أن تكون للعهد الخارجيّ، إشارةً إلى قوله سبحانه وتعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: ٥٩]، ولا شكّ أن هذه التقادير أولى وأحرى من تقدير النكرة. انتهى (٣).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ١٠٣٣ - ١٠٣٤.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٣/ ١٠٣٤.
(٣) "الكاشف" ٣/ ١٠٣٥.