يقولون بلفظ الخطاب والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيّ، فلما مات قالوه بلفظ الغيبة، إنما هو من اجتهاد ابن مسعود وبعض الصحابة، وليس من تعليم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لهم بذلك، فلا يكون دليلًا يُعمل به، ويُترك من أجله ما صحّ نقله من تعليم النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمته أن يقولوا في حياته وبعد مماته:"السلام عليك أيها النبيّ ورحمة اللَّه وبركاته"، بلفظ الخطاب، فهو تعليم باق إلى يوم القيامة، لا يتغيّر، ولا يتبدّل، ولا يدخله نسخ.
والدليل على ذلك ما صحّ من تعليم الصحاب -رضي اللَّه عنهم- بعده -صلى اللَّه عليه وسلم- للأمة كلّها، فهذا عمر بن الخطّاب -رضي اللَّه عنه- قد خطب به على منبر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في خلافته، وكثير من الصحابة قد سمعوه، وأقرّه عليه، وقد تقدّم أنه حديث صحيح، أخرجه مالك وغيره.
وهذا أبو موسى الأشعريّ -رضي اللَّه عنه- سيأتي في هذا الباب من "صحيح مسلم" أنه علّم التابعين الحاضرين لديه من أهل البصرة وغيرهم بلفظ الخطاب.
وهذا ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- نفسه قد علّمه التابعين، كأبي وائل، والأسود، وغيرهما كما في هذا الحديث بلفظ الخطاب.
وهذا ابن عبّاس -رضي اللَّه عنهما- كذلك طاوسًا وغيره، كما سيأتي في الباب بلفظ الخطاب.
وغير هؤلاء ممن تقدّم عنهم ذكر ألفاظ التشهّد المختلفة، فكلّهم قد علّموا التابعين بلفظ الخطاب.
ومن أقوى الأدلّة على ذلك أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- حينما كان حيًّا كان الصحابة متفرّقين في البلدان النائية، كمكة، واليمن، والحبشة، وغيرها من البلدان، فلم يقل لأحد منهم إذا كنت غائبًا عني، فقل:"السلام على النبيّ"، ولو كان ذلك يتغير بتغير الحال، لما أغفله النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولما أقرّه الوحي على ذلك، قال اللَّه عز وجل:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}[مريم: ٦٤].
ولا يقتضي قول ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-: "قلنا" كونه إجماعًا من الصحابة، بل هو رأي لبعضهم، بدليل ما ذكرناه من تعليم الصحابة، كعمر وغيره -رضي اللَّه عنهم- بعد وفاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بلفظ الخطاب، وكذا الكلام فيما نُقل عن عطاء وغيره.
والحاصل أن التعليم النبويّ لا يُترك لقول بعض الصحابة اجتهادًا،