للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال الخطابيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "إعلامه" في حديث: "آمنت بكتابك الذي أنزلت": لو قال: وبرسولك، الذي أرسلت لكان تكرارًا؛ إذ كان نبيًّا قبل أن يكون رسولًا، فجمع له النبأ بالاسمين جمعًا (١).

(وَرَحْمَةُ اللَّهِ) قال العينيّ: الرحمة عبارة عن إنعامه عليه، وهو المعنى الغائيّ؛ لأن معناها اللغويّ الْحُنُوّ والعطف، فلا يجوز أن يوسف اللَّه به. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله العينيّ من أن اللَّه تعالى لا يوسف بالرحمة بمعناها اللغوي غير صحيح؛ فإن تفسير الرحمة بما ذُكر إنما هو إذا وُصف بها المخلوق، وأما إذا وُصف بها الربّ سبحانه وتعالى فلها المعنى اللائق بجلاله، فالصواب أنه تعالى يوسف بصفة الرحمة اللغويّة بالمعنى اللائق بجلاله سبحانه وتعالى، لا بالمعنى الذي يكون للمخلوق، فلا يلزم عليه تشبيه، ولا تمثيل، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

وقال ابن الملقّن: الأظهر أن المراد بالرحمة نفس الإحسان، ويَحْتَمِل أن يريد إرادة الإحسان، بمعنى الإخبار عن سبق علمه في إرادته، لكن المراد الدعاء له بالرحمة، والدعاء إنما يتعلّق بالممكن، وهو نفس الإحسان، لا الإرادة؛ لأنها قديمة. انتهى.

قال الجامع: كلام ابن الملقّن هذا من نوع كلام العينيّ، وجوابه جوابه، فتفطّن، واللَّه تعالى وليّ التوفيق.

(وَبَرَكَاتُهُ) جمع بركة، وهي النماء والزيادة من الخير، ويقال: البركة جِمَاع كلّ خير.

وقال في "العمدة": البركة: الخير الكثير من كل شيء، واشتقاقها من الْبَرْك -بفتح، فسكون- وهو صَدْرُ البعير، وبَرَك البعير: ألقى بَرْكَه، واعتُبِر منه معنى اللزوم، وسُمِّي مَحْبس الماء بِرْكة -بكسر، فسكون- للزوم الماء فيها.

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: البركة ثبوت الخير الإلهيّ في الشيء، سُمِّي بذلك؛ لثبوت الخير فيه ثبوتَ الماء في الْبِرْكَة، والمباركُ ما فيه ذلك الخير، وقال


(١) "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ٣/ ٤٣١ - ٤٣٢.