للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال مالك أيضًا: إذا نسي التشهّد خلف الإمام، فإن الإمام يَحمِل ذلك عنه، وكان الشافعيّ يقول: من ترك التشهّد الأول ساهيًا فلا إعادة عليه، وعليه سجدتا السهو لتركه، ومن ترك التشهّد الآخر ساهيًا أو عامدًا فعليه إعادة الصلاة، إلا أن يكون تركه قريبًا، فيتشهّد ويصلي على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويسجد سجدتي السهو.

وقال أحمد فيمن نسي التشهّد في الركعتين الأوليين: أَحَبّ إليّ أن يُعيد، وإن ترك الجلوس الثاني يستقبل الصلاة.

وقالت طائفة: لا شيء عليه، هذا قول النخعيّ، قال: إذا أحدث حين فرغ من السجود في الركعة الرابعة قبل التشهّد مضت صلاته، وقال الزهريّ، وقتادة، وحماد فيمن نسي التشهّد في آخر صلاته حتى انصرف: تمّت صلاته.

وفي كتاب محمد بن الحسن: فإن ترك التشهّد ساهيًا، قال: أستحسن أن يكون عليه سجدتا السهو.

وقال أبو ثور: إن ترك التشهّد في الركعة الثانية والرابعة فلا صلاة له، إن كان ترك ذلك عامدًا، وإن كان ساهيًا، فترك تشهّد الركعة الثانية، سجد سجدتي السهو. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- باختصار (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: أرجح الأقوال عندي قول من قال بوجوب التشهّدين جميعًا؛ لظاهر قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فليقل: التحيّات. . . "، وأمره للوجوب، فأما الأول، فإن تركه ناسيًا جبره بسجدتي السهو؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- فعل كذلك، وإن تركه عمدًا أعاد الصلاة؛ للأمر المذكور، وأما التشهّد الأخير، فلا يُجبر بالسجود، بل تجب إعادته مطلقًا؛ لظاهر الأمر المذكور، وهذا هو مذهب الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

قال أبو محمد بن قُدامة -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢) ما ملخّصه: التشهّد الأخير والجلوس له من أركان الصلاة؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "قولوا: التحيّات. . . "، وأمره يقتضي الوجوب، ولفعله -صلى اللَّه عليه وسلم- ودوامه عليه، ولحديث ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: "كنا نقول قبل أن


(١) "الأوسط" ٣/ ٢١٧ - ٢١٩.
(٢) راجع: "المغني" ١/ ٥٧٨.