وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه الأمر بالجماعة في المكتوبات، ولا خلاف في ذلك، ولكن اختلفوا في أنه أمر ندب أم إيجاب على أربعة مذاهب:
فالراجح في مذهبنا، وهو نصّ الشافعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وقول أكثر أصحابنا أنها فرض كفاية، إذا فعله مَن يحصل به إظهار هذا الشِّعَار سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم.
وقالت طائفة من أصحابنا: هي سنة.
وقال ابن خزيمة من أصحابنا: هي فرض عين، لكن ليست بشرط، فمن تركها وصلى منفردًا بلا عذر أثم، وصحت صلاته.
وقال بعض أهل الظاهر: هي شرط لصحة الصلاة، وقال بكلّ قول من الثلاثة المتقدمة طوائف من العلماء، وستأتي المسألة في بابها - إن شاء اللَّه تعالى. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: عندي الراجح ما ذهب إليه ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللَّهُ-؛ لوضوح الأدلّة عليه، وستأتي المسألة مفصّلة في محلّها -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم.
وفي رواية النسائيّ:"فقال: إنما الإمام ليؤتمّ به، فإذا كبّر فكبّروا. . . "، أي إنما جُعل الإمام ليُقتدى به في أفعال الصلاة، فلا تجوز مخالفته بالتقدّم عليه مطلقًا، ولا بالتأخر عنه.
(فَإذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا) قال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه أمر المأموم بأن يكون تكبيره عقب تكبير الإمام، ويتضمن مسألتين:
[إحداهما]: أنه لا يكبر قبله ولا معه، بل بعده، فلو شَرَع المأموم في تكبيرة الإحرام ناويًا الاقتداء بالإمام، وقد بقي للإمام منها حرف لم يصحّ إحرام المأموم بلا خلاف؛ لأنه نوى الاقتداء بمن لم يَصِر إمامًا، بل بمن سيصير إمامًا إذا فرغ من التكبير.