للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بعد تكبيره وركوعه، وكذلك رفعكم من الركوع يكون بعد رفعه.

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا يقتضي أن تكبير المأموم لا يكون إلا بعد تكبير الإمام؛ لأنه جاء بفاء التعقيب، وهو مذهب كافّة العلماء، ولا خلاف أنه لا يسبقه المأموم بالتكبير والسلام إلا عند الشافعيّ ومن لا يرى ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وأن الصواب فعل المأموم ذلك بعد فعل الإمام، واختلفوا إذا فعله معه، قال: ولأصحابنا -يعني المالكيّة- فيه قولان: الإجزاء وعدمه، وكذلك اتّفقوا على أنه لا يسابقه بأفعاله وسائر أقواله في الصلاة، ولا يفعلها معه، وأن السنّة اتّباعه فيها.

واختلفوا في اتّباع المأموم الإمامَ في أفعاله، هل يكون معه، فإذا شرع الإمام في الركوع ركع بإثره، ولا ينتظر تمام ركوعه، أم يكون بعده، ولا يركع حتى يركع الإمام، ولا يرفع حتى يرفع، وهكذا في سائر الأفعال، كما جاء في هذا الحديث؟ ثم ذكر عن مالك في المسألة ثلاثة أقوال. انتهى (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: القول بأنه لا يشرع في فعل من الأفعال، إلا بعد تمام فعل الإمام هو الحقّ؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيّنه وأوضحه تمام الإيضاح بقوله: "فإن الإمام يركع قبلكم، ويرفع قبلكم. . . " الحديث، فإنه نصّ واضح في كون المأموم لا يشرع في ركن من الأركان إلا بعد تلبّس الإمام به، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

(فَإِنَّ الإِمَامَ) الفاء للتعليل؛ لأن الإمام (يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ) يعني أن حقّه أن يتقدّمكم في كلّ ذلك (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: فَتِلْكَ بِتِلْكَ) أي أن اللحظة التي سبقكم الإمام بها في تقدمه إلى الركوع تستدركونها بتأخّركم في الركوع بعد رفعه لحظةً، فتلك اللحظة بتلك اللحظة، وصار قدرُ ركوعكم كقدر ركوعه.

وقال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللَّهُ-: فيه إشارة إلى تحقيق ما تقدّم من ترجيح أحد الأقوال، وبيان الحكم من أنه لا يركع المأموم ولا يسجد، ولا يرفع حتى يفعل ذلك إمامه، وتنبيهٌ على أن الشيء الذي سبقه به إمامه من الركعة، أو


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٢٩٧.