للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ويقول كلَّ ما ثبت هذا مرةً، وهذا مرةً، وأما التلفيق، فإنه يستلزم إحداث صفة في التشهد لم تَرِد مجموعة في حديث واحد. انتهى كلام الأذرعيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-.

وكأنه أخذه من كلام ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فإنه قال: إن هذه الكيفية لم تَرِد مجموعة في طريق من الطرق، والأولى أن يَستعمل كلَّ لفظ ثبت على حِدَةٍ، فبذلك يحصل الإتيان بجميع ما ورد، بخلاف ما إذا قال الجميع دَفْعَةً واحدةً، فإن الغالب على الظنّ أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يقله كذلك. انتهى.

وقال ابن القيم أيضًا: قد نَصّ الشافعيّ على أن الاختلاف في ألفاظ التشهد ونحوه كالاختلاف في القراءات، ولم يقل أحد من الأئمة باستحباب التلاوة بجميع الألفاظ المختلفة في الحرف الواحد من القرآن، وإن كان بعضهم أجاز ذلك عند التعليم للتمرين. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: لقد أجاد العلامة ابن القيّم -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فالحقّ والصواب، أن يأتي بكلّ الصيغ المختلفة التي صحّت عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أوقات مختلفة، حتى يكون عاملًا بجميعها، لا بالجمع الذي ذكره النوويّ، ومن تبعه من المتأخرين، فإنه خروج عن التعليم النبويّ بالكلّيّة، وإحداث لصيغة أخرى لم ترد مجموعة في أيّ طريق من طرُق الحديث.

وقال الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (واعلم) أنه لا يُشْرَع تلفيق صيغة صلاة واحدة من مجموع هذه الصيغ، وكذلك يقال في صيغ التشهد المتقدمة، بل ذلك بدعة في الدين، إنما السنة أن يقول هذا تارة، وهذا تارة كما بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللَّهُ- في بحث له في التكبير في العيدين (١). انتهى (٢).

والحاصل أن الاختلاف في صيغ الصلاة على النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كالاختلاف في أذكار الاستفتاح، والركوع والسجود، والتشهّد، والأذان، والإقامة، وغير ذلك، فلا ينبغي التلفيق بين ألفاظها المختلفة، وإنما تُستعمل كلّ صيغة على ما وردت في أوقات مختلفة، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، فإنه حجة البليد، وملجأ العنيد، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.


(١) راجع: "مجموع الفتاوى" (٦٩/ ٢٥٣/ ١).
(٢) "صفة صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-" للشيخ الألبانيّ (ص ١٧٢).