للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معنى "طلب"، أي طلب منه الصلاة بالناس (فَأَتَاهُ الرَّسُولُ) أي بلال -رضي اللَّه عنه-، كما بُيّن في الرواية الأخرى (فَقَالَ) لأبي بكر -رضي اللَّه عنه- (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يَأْمُرُكَ أَنْ تُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) -رضي اللَّه عنه-، وقوله: (وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا) جملة معترضة بين القول ومقوله، بيّن بها سبب صرفه أمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عنه إلى عمر -رضي اللَّه عنه-.

قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قوله: "رقيقًا" أي رقيق القلب، كثير الخشية، سريع الدَّمعة، وهو الأسيف أيضًا في الحديث الآخر، وحالة الحزين غالبًا الرقّة، والأسيف في غير هذا: العبد، والأسيف أيضًا: الغضبان. انتهى (١).

(يَا عُمَرُ صَلِّ بِالنَّاسِ) قال السنديّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وكأن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- رأى أن أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك كان تكرّمًا منه له، والمقصود أداء الصلاة بإمام، لا تعيينُ أنه الإمام، ولم يَدْرِ ما جرى بينه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وبين أزواجه (٢) في ذلك، وإلا لما كان له تفويض الإمامة إلى عمر. انتهى (٣).

وقال في "الفتح" ما معناه: لم يُرِدْ أبو بكر -رضي اللَّه عنه- بهذا القول ما أرادت عائشة -رضي اللَّه عنها- يعني ما يأتي أنها أرادت أن يصرف -صلى اللَّه عليه وسلم- الإمامة عن أبي بكر؛ لئلا يتشاءم الناس به لو مات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، كما يأتي بعد حديثين -وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: تأوله بعضهم على أن أبا بكر قاله تواضعًا، وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور، وهو كونه رقيق القلب، كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس. انتهى.

قال الحافظ: ويَحْتَمِل أن يكون -رضي اللَّه عنه- فَهِمَ من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى، وعَلِم ما في تحمُّلها من الخطر، وعَلِم قُوّة عمر على ذلك، فاختاره، ويؤيِّده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه، أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجرّاح.


(١) "المفهم" ٢/ ٥٠.
(٢) يعني ما جرى بين عائشة وحفصة -رضي اللَّه عنهما-.
(٣) "شرح السنديّ على النسائيّ" ٢/ ١٠١ - ١٠٢.