داود، وابن حبان من رواية حماد بن زيد، عن أبي حازم، فبَيَّن الفاعلَ، وأن ذلك كان بأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولفظه:"فقال لبلال: إن حضرت العصر، ولم آتك، فمر أبا بكر، فليصلّ بالناس، فلما حضرت العصر أَذَّن بلال، ثم أقام، ثم أَمَر أبا بكر فتقدم"، ونحوه للطبرانيّ من رواية موسى بن محمد، عن أبي حازم، وعُرِفَ بهذا أن المؤذن بلال -رضي اللَّه عنه-.
(فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ) أي بلال -رضي اللَّه عنه-، كما مرّ آنفًا (إِلَى أَبِي بَكْرٍ) الصدّيق -رضي اللَّه عنه- (فَقَالَ: أتصَلِّي بِالنَّاسِ، فَأُقِيمَ؟) بالنصب؛ لوقوعه بعد الفاء السببيّة في جواب الاستفهام، كما قال في "الخلاصة":
ويجوز رفعه، على أنه مستأنف بتقدير مبتدأ، أي فأنا أقيم.
ثم إن هذا لا يعارض ما ذكرناه آنفًا من أن ذلك بأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بلالًا بذلك؛ لأنه يُحمل على أن بلالًا استفهم أبا بكر، هل يبادر أوّلَ الوقت لتنفيذ أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أم أنه ينتظر قليلًا مجيئه -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يُصلّي بالناس؟ فترجّح لأبي بكر -رضي اللَّه عنه- المبادرة؛ لأنها فضيلة متحقّقة، فلا تُترك لفضيلة متوهّمة، أفاده في "الفتح"(١).
(قَالَ) أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: (لعَمْ) زاد في رواية البخاريّ من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه: "إن شئت"، وإنما فَوَّض ذلك له مع كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- أمره أن يؤمّ الناس إن تأخّر؛ لاحتمال أن يكون عند بلال -رضي اللَّه عنه- زيادة علم من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك.
(قَالَ) سهل -رضي اللَّه عنه- (فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ) أي دخل في الصلاة، وفي رواية النسائيّ:"فأقام بلالٌ، وتقدّم أبو بكر، فكبّر بالناس"، وفي رواية للبخاريّ:"وتقدم أبو بكر، فكبّر"، وفي روايةٍ:"فاستفتح أبو بكر الصلاة"، وهي عند الطبرانيّ.
قال في "الفتح": وبهذا يجاب عن الفرق بين المقامين، حيث امتنع أبو بكر هنا أن يَسْتَمِرّ إمامًا، وحيث استمرّ في مرض موته -صلى اللَّه عليه وسلم- حين صلّى خلفه