عمومه في الرجال والنساء، وتأولوا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وإنما التصفيق للنساء" على أن التصفيق من أفعال النساء على جهة الذمّ لذلك. انتهى.
وهذا التأويل مردود، وهو إن كان محتملًا في لفظ هذه الرواية، فإنه يتعذّر في رواية أخرى رواها البخاريّ في "صحيحه"، لفظها:"إذا رابكم شيء في الصلاة، فليسبّح الرجال، وليصفِّح النساء".
وعن مالك روايةٌ موافقةٌ للجمهور، وجزم بها عنه ابن المنذر، فقال بعد ذكر حديث:"التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء"، قال بظاهر هذا الخبر مالك. انتهى.
واختار جماعة من المالكية موافقة الجمهور في ذلك، فقال القاضي أبو بكر ابن العربيّ بعد نقله مشهور مذهب مالك في ذلك: وليس بصحيح.
وقال أبو العباس القرطبيّ بعد ذكره مذهب الجمهور في ذلك: وهذا القول هو الصحيح خبرًا ونظرًا.
وقال ابن حزم: رَوَيْنا عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدريّ أنهما قالا: التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، ولا يعرف لهما من الصحابة -رضي اللَّه عنهم- مخالف.
وقال وليّ الدين: قد رُوي ذلك أيضًا عن جابر بن عبد اللَّه، رواه عنه ابن أبي شيبة في "مصنفه".
وقال القاضي عياض: قيل: كان الرجال والنساء يصفِّقون في الصلاة والطواف، فأنزل اللَّه تعالى:{وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} الآية [الأنفال: ٣٥] أي صفيرًا وتصفيقًا، فنهوا عن ذلك رجالًا ونساءً، ثم أَعْلَم أنه من عادة النساء في خاصتهنّ ولهوهنّ، لا أنه إباحة لهنّ وسنة فيما يعتريهن في صلاتهن. انتهى.
قال الحافظ العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ليس في سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ} الآية أنه نهى النساء عن ذلك، لا في حالة الصلاة ولا غيرها، وإنما ذَكَر غير واحد من المفسرين أنهم كانوا يؤذون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بذلك في الصلاة والطواف؛ ليشوّشوا عليه، فنزلت الآية بمكة، ثم أمرهم -صلى اللَّه عليه وسلم- بالمدينة أن يصفِّق النساء لما نابهنّ. انتهى (١).