غير محلّ المشروع فمسلّم، وإن أراد المنع عن رفع اليدين في المحلّ المشروع كالركوع والرفع منه، ونحو ذلك، مما ثبت في الصحيح، فما أبعده عن الصواب، وأبعدُ منه استدلاله بالآية المذكورة، فإنه لم يقله أحد ممن تكلّم فيها، كما أشار إليه القرطبيّ، وسيأتي تمام البحث في هذا في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): استدلّ الحنفيّة بهذا الحديث على عدم مشروعيّة رفع اليدين في غير حالة الإحرام، وهو استدلال باطلٌ؛ إذ لا دليل فيه؛ لأنه مختصر من الحديث التالي كما ساقه المصنّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- بتمامه، قال الإمام ابن حبّان -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه": "ذكرُ الخبر المتقَصِّي للقصّة المتقدّمة بأن القوم إنما أُمروا بالسكون في الصلاة عند الإشارة بالتسليم، دون الرفع الثابت عند الركوع"، ثم رواه كنحو رواية المصنّف الآتية.
وقال الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "جزء رفع اليدين": من احتجّ بحديث جابر بن سَمُرة -رضي اللَّه عنهما- على منع الرفع عند الركوع، فليس له حظّ من العلم، هذا مشهور، لا خلاف فيه أنه إنما كان في حال التشهّد، كذا في "التلخيص الحبير".
وقال الزيلعيّ في "نصب الراية" بعد ذكر حديث جابر بن سمرة المختصر ما مُلخّصه: واعترضه البخاريّ في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين، فقال: وأما احتجاج بعض من لا يعلم بحديث تميم بن طَرَفة، عن جابر بن سَمُرة، فذكر حديثه المختصر، وقال: وهذا إنما كان في التشهّد، لا في القيام، ففسّره رواية عُبيد اللَّه بن القِبطيّة، قال: سمعت جابر بن سَمُرة يقول: كنّا إذا صلّينا خلف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذكر حديثه الطويل المذكور، ثم قال البخاريّ: ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضًا منهيًّا عنه؛ لأنه لم يستثن رفعًا دون رفع، بل أطلق. انتهى.
قال الزيلعيّ: ولقائل أن يقول: إنهما حديثان لا يفسَّر أحدهما بالآخر، كما في لفظ الحديث الأول:"اسكنوا في الصلاة"، والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له: اسكن في الصلاة، إنما يقال ذلك من يرفع يديه في أثناء الصلاة، وهو حالة الركوع والسجود، ونحو ذلك، هذا هو الظاهر، والراوي روى هذا في وقت كما شاهده، ورَوَى الآخر في وقت آخر كما شاهده، وليس في ذلك بُعْدٌ. انتهى.