للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ونَهِيٌّ -بفتح، فكسر، فياء مشدّدة- من قوم أَنْهِيَاء، ويقال: نِهٍ -بكسرتين- للإتباع، وسُمِّي العقل نُهْيَةً؛ لأنه يُنْتَهَى إلى ما أَمَرَ به، ولا يُتَجاوَز، وقيل: لأنه يَنْهَى عن القبائح.

قال أبو عليّ الفارسيّ: يجوز أن يكون النُّهَى مصدرًا، كالْهُدَى، وأن يكون جَمْعًا كالظُّلَمِ، قال: والنُّهَى في اللغة معناه: الثبات، والحبس، ومنه النِّهْيُ، والنَّهْيُ، بكسر النون وفتحها، والنُّهْيةُ للمكان الذي يَنتَهِي إليه الماء، فيستنقع، قال الواحديّ: فرجع القولان في اشتقاق النُّهْية إلى قول واحد، وهو الحبس، فالنُّهْية هي التي تَنْهَى، وتَحْبِس عن القبائح. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١) بزيادة من "اللسان" (٢).

والمعنى: لِيَدْنُ منّي البالغون العقلاء؛ لشرفهم، ومزيد فِطْنتهم، وتيقّظهم، وضبطهم لصلاته، وإن حدث به عارض استخلفهم في الإمامة.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: في هذا الحديث تقديمُ الأفضل فالأفضل إلى الإمام؛ لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف، فيكون هو أولى، ولأنه يَتَفَطَّن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره، وليضبطوا صفة الصلاة، ويحفظوها، وينقلوها، ويُعَلِّموها الناس، وليقتدي بأفعالهم مَن وَراءهم، ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنَّة أن يقدم أهل الفضل في كل مَجْمَع إلى الإمام وكبير المجلس، كمجالس العلم، والقضاء، والذكر، والمشاورة، ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس، والإفتاء، وإسماع الحديث، ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسنّ، والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك. وفيه تسويةُ الصفوف، واعتناء الإمام بها، والحثّ عليها. انتهى (٣).

وقال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: المعنى: ليدن منّي العلماء النجباء، أولو الأخطار، وذوو السكينة والوقار، أمرهم به؛ ليحفظوا صلاته، ويضبطوا الأحكام والسنن، فيُبلغوا مَن بَعْدهم، وفي ذلك بعد الإفصاح عن جلالة شؤونهم، ونباهة أقدارهم


(١) "شرح النوويّ" ٤/ ١٥٥.
(٢) "لسان العرب" ١٥/ ٣٤٦.
(٣) "شرح النوويّ" ٤/ ١٥٥ - ١٥٦.